المقابلة في البحث العلمي
تعتبر المقابلة أحد أدوات جمع البيانات في البحث العلمي التي يمكن بواسطتها اختبار الفرضيات. فبعد ان يكون الباحث قد حدد اهداف بحثه بوضوح، وصاغ مشكلة البحث وصاغ فرضياته، يكون قد اتضح في ذهنه نوع المادة او البيانات او المعلومات التي يريد ان يجمعها لكي يجيب على مشكلة البحث. وكذلك مصادر هذه المادة ذلك ان مشكلة البحث سوف تحدد للباحث نوع البيانات ومصادرها وبالتالي الأدوات التي سيستخدمها في جمع هذه البيانات. وهى من اهم تلك الأدوات استخدما في البحث العلمي
وفي هذا المقال سوف نبين تعريفها واشكالها وكيفية اجرائها ومميزاتها وعيوبها حتى يسهل على الباحث استخدام تلك الأداة المهمة في البحث العلمي.
تعريف المقابلة أحد أدوات جمع البيانات في البحث
المقابلة في البحث العلمي هي أداة جمع بيانات تعتمد على التفاعل المباشر بين الباحث والمشارك، بهدف الحصول على معلومات معمقة حول موضوع الدراسة. تُستخدم عادةً لفهم الآراء، الاتجاهات، أو التجارب الشخصية بطريقة نوعية. يمكن أن تكون المقابلات منظمة أو شبه منظمة أو غير منظمة، حسب أهداف البحث. تتميز بقدرتها على توفير بيانات غنية يصعب الحصول عليها من خلال الاستبيانات فقط.
استخدامات المقابلات فى البحث العلمي
تُعد المقابلات من الأدوات البحثية الفعّالة التي تستخدم في مجالات متنوعة، لا سيما عندما يسعى الباحث لفهم المشاعر، الاتجاهات، أو التجارب الشخصية بعمق. وتتنوع استخداماتها بحسب نوع البحث وهدفه، سواء في البحوث التربوية أو النفسية أو الاجتماعية أو الإدارية.
- استكشاف وجهات نظر الأفراد حول موضوع معين لفهم أعمق للظواهر الاجتماعية أو النفسية.
- جمع معلومات نوعية لا يمكن الوصول إليها من خلال أدوات مغلقة مثل الاستبيانات.
- تقييم تجارب المشاركين الشخصية في مواقف تعليمية أو علاجية أو تنظيمية.
- تحليل الاتجاهات أو القيم أو التحيزات من خلال التفاعل المباشر مع المبحوثين.
- جمع بيانات تمهيدية لتطوير أدوات البحث الأخرى (مثل صياغة أسئلة الاستبيان).
- التأكد من مصداقية نتائج أدوات أخرى عبر استخدام المقابلة كأداة مساندة في البحوث المختلطة.
- توثيق قصص أو سير ذاتية أو مواقف حياتية كما في البحوث السردية أو التاريخية.
- التحقق من مدى ملاءمة البرامج أو السياسات من خلال استشارة المستفيدين أو المعنيين بها.
- استخدامها في الدراسات التقييمية لمعرفة أثر البرامج أو التدخلات من منظور المستفيدين.
- استكشاف المعتقدات الثقافية أو التصورات المجتمعية حول قضية معينة.
أشكال المقابلات فى البحث العلمي
تُعد المقابلات من أدوات جمع البيانات النوعية الهامة في البحث العلمي، خصوصًا عندما يسعى الباحث لفهم عمق الظاهرة من خلال وجهات نظر المشاركين. وتتنوع أشكال المقابلات وفقًا لدرجة التنظيم، وطبيعة الأسئلة، وأسلوب التفاعل، ولكل منها استخداماته ومميزاته التي تتناسب مع أهداف الدراسة.
أولا: المقابلة الفردية (One-on-One Interview)
يتم فيها الحوار مع مشارك واحد في كل مرة، وتُستخدم عندما تكون الخصوصية أو التركيز مطلوبًا، كما تُساعد على جمع بيانات غنية من وجهة نظر فردية.
ثانيا: المقابلة الجماعية (Group Interview)
يُجرى الحوار مع مجموعة صغيرة من المشاركين في الوقت ذاته، وتُستخدم لاستكشاف التفاعلات الاجتماعية أو وجهات النظر المتنوعة في الوقت ذاته.
ثالثا: المقابلة المنظمة (Structured Interview)
يُطرح فيها على جميع المشاركين نفس الأسئلة المحددة مسبقًا، دون تغيير في الترتيب أو الصياغة، وتُستخدم في الدراسات الكمية التي تتطلب اتساق البيانات وسهولة التحليل.
رابعا: المقابلة شبه المنظمة (Semi-Structured Interview)
تجمع بين التوجيه والمرونة؛ حيث يُعد الباحث قائمة بالأسئلة الأساسية، لكنه يتيح لنفسه مساحة لتعديلها أو التوسع بحسب تفاعل المبحوثين، وتُستخدم كثيرًا في الدراسات الاجتماعية والتربوية
أنواع المقابلات في البحث العلمي
تصنف المقابلات على أساس الهدف الذي تسعي لتحقيقه الى أربعة أنواع:
1-المقابلات المسحية:
يهدف الحصول على معلومات وبيانات وآراء كتلك التي تستخدم في دراسات الرأي العام. ويعتبر هذا النوع هو اهم نوع في أنواع المقابلات وهو ينقسم الى قسمين:
أولا:المقابلات المقننة او المحددة:
وهي المقابلات التي يلتزم فيها الباحث بتقديم أسئلة محددة وبترتيب محدد وبأ لا لفاظ نفسها لكل المبحوثين ويستخدم فيها الأسئلة المغلقة، أي التي تحدد فيها إجابات يختار منها المبحوث الإجابة التي تناسبه، ويستخدم الباحث فيها استمارة للمقابلة تشبه استمارة الاستبيان وهذه المقابلات المقننة عملية في طبيعتها، لأنها توفر الضوابط اللازمة التي تسمح بصياغة تعميمات علمية وتستخدم تلك المقابلات المقننة في الدراسات المسحية ومع كافة المبحوثين.
ثانيا: المقابلات غير المقننة او (الحرة):
هي تلك التي لا يلتزم فيها الباحث مسبقا بأسئلة محددة بدقة تلقي بألا لفاظ نفسها على جميع المبحوثين وبالترتيب نفسه. وتستخدم فيها ما يسمي بالأسئلة المفتوحة. ولا تستخدم في المقابلات غير المقننة عادة حينما يقوم شخص باختبار صدق الفروض وتحقيقها، ولكنها تعد أداة قيمة في المرحلة الاستكشافية من البحث.تستخدم المقابلات الحرة في الدراسات الأنثروبولوجيا والدراسات الوصفية ودراسة الحالة التي لا تقضي وصفا كميا او متعمقا لها.
2- المقابلة التشخصية:
تهدف إلى تحديد مشكلة ما ومعرفة أسبابها وعواملها.
3- المقابلات العلاجية:
تهدف إلى تقديم العون إلى شخص يواجه مشكلة ما.
4- المقابلات الارشادية او التوجيهية:
تهدف إلى تمكين العميل من ان يفهم مشكلاته الشخصية والتعليمية والمهنية على نحو أفضل، وان يعمل خططا سليمة لهذه المشكلات.
خطوات الإعداد للمقابلة في البحث العلمي:
يتطلب الإعداد للمقابلة تحديد أهدافها والمعلومات التي يريد الباحث الحصول عليها من المصادر البشرية، كما يتطلب تحديد هذه المصادر البشرية القادرة على إعطاء المعلومات المطلوبة.ويتم الإعداد للمقابلة وفق الخطوات الآتية:
1- تحديد أهدافها:
هى تهدف أساسا إلى الحصول على ملعو مات وبيانات وآراء ضرورية للإجابة عن أسئلة الدراسة أو لحل مشكلة الدراسة، والباحث هنا عليه أن يحدد أهداف المقابلات ويحدد طبيعة المعلومات التي يحتاج إليها، ويصوغ هذه الأهداف بشكل سلوكي محدد حتى يتمكن من إعداد الوسائل وتوجيهها للحصول على معلومات وآراء وفق هذه الأهداف.
2-تحديد الأفراد الذين سيقابلهم الباحث:
يحدد الباحث المجتمع الأصلي للدراسة، ويختار من هذا المجتمع عينة ممثلة تحقق له أغراض دراسته، ويشترط ان تتوافر عند أفراد هذه العينة الرغبة في إعطاء المعلومات المطلوبة والتعاون مع الباحث في هذا المجال، ذلك أن عدم توفر هذه الرغبة قد يحرم الباحث من الحصول على المعلومات المناسبة.
3- تحديد أسئلة المقابلة:
سبق القول: إن المقابلات العلمية تحتاج إلى إعداد مسبق، ويتطلب هذا الإعداد أن يكون الباحث مستعد لطرح الأسئلة اللازمة للحصول على المعلومات بحيث يتوافر عي هذه الأسئلة المزايا العلمية مثل: الوضوح، والموضوعية، والتحديد، كما يحدد الباحث طريقة توجيه الأسئلة وترتيبها.
4- تحديد مكان المقابلة وزمانها:
يحدد الباحث مكان المقابلات وزمانها مراعيا في ذلك أن يكون المكان مريحا ومقبولا من قبل المبحوث، وأن يكون وقتها مناسبا للمبحوث بحيث لا يتعارض مع أعمال أخري له.
مقال شمولي عن الاستبيان كأداة لجمع البيانات في البحث العلمي.
مزايا المقابلات كأداة في البحث العلمي:
تُعد المقابلات من الأدوات المباشرة والفعالة في جمع البيانات، لا سيما في البحوث النوعية والاجتماعية، حيث تتيح للباحث التفاعل المباشر مع المبحوثين. وتتميز هذه الأداة بقدرتها على الكشف عن المعاني العميقة والتجارب الشخصية بطريقة لا تتيحها كثير من الأدوات الأخرى.
- توفر بيانات غنية وعميقة تساعد على فهم الظاهرة من منظور المشاركين أنفسهم.
- تُتيح للباحث توضيح الأسئلة أو إعادة صياغتها لضمان فهمها الكامل من قِبل المبحوث.
- تمكّن الباحث من ملاحظة الانفعالات غير اللفظية مثل تعبيرات الوجه ونبرة الصوت.
- تُوفر مرونة في التفاعل، حيث يمكن تعديل الأسئلة أو ترتيبها حسب سياق.
- تُساعد على استكشاف موضوعات جديدة لم يكن الباحث يتوقعها في بداية الدراسة.
- تُعزز من العلاقة الإنسانية والثقة بين الباحث والمبحوث، ما يزيد من صدق الإجابات.
- تُستخدم مع شرائح يصعب استهدافها من خلال الاستبيانات مثل الأميين أو الأطفال.
- تُناسب الدراسات التي تتطلب شرحًا أو سردًا تفصيليًا كالبحوث النفسية والاجتماعية.
- تُقلل من نسبة عدم الاستجابة مقارنة بالاستبيانات، نظرًا للحضور المباشر للباحث.
- تمكّن الباحث من التعمق في موضوع معين من خلال الأسئلة المتتابعة أو الاستكشافية.
عيوب المقابلات في البحث العلمي:
رغم المزايا العديدة التي توفرها المقابلة بوصفها أداة لجمع البيانات في البحث العلمي، فإن استخدامها لا يخلو من بعض التحديات والقيود المنهجية والعملية. ويتعين على الباحث أن يكون على دراية بهذه العيوب ليأخذها في الاعتبار أثناء التخطيط والتنفيذ.
- تستهلك وقتًا طويلًا في الإعداد والتنفيذ والتفريغ، خصوصًا عند إجراء مقابلات متعمقة أو متعددة.
- تعتمد بشكل كبير على مهارة الباحث في طرح الأسئلة والتفاعل، ما قد يؤثر على جودة البيانات.
- تتأثر بسهولة بالتحيز الشخصي سواء من جانب الباحث أو المبحوث، مما قد يضعف صدق النتائج.
- يصعب توحيدها بين المشاركين كما في الاستبيانات، مما يُحد من المقارنة الكمية المباشرة.
- قد يتردد بعض المبحوثين في الإفصاح عن معلومات حساسة أو شخصية أثناء المقابلات.
- تتطلب جهدًا كبيرًا في تسجيل وتفريغ وتحليل البيانات، خاصة في الدراسات النوعية.
- يصعب أحيانًا ضمان الحيادية الكاملة عند تفسير إجابات المشاركين أو تعبيراتهم.
- قد تؤثر الظروف الخارجية (مثل بيئة اللقاء أو انشغال المبحوث) على جودة التفاعل.
- تحتاج إلى ترتيبات تنظيمية ولوجستية مثل تحديد المكان والزمان، ما يزيد من التكلفة والجهد.
- قد لا تكون مناسبة للعينات الكبيرة أو عند الحاجة إلى جمع بيانات كمية قابلة للقياس الإحصائي.
الخاتمة
وفي الختام، تظل أدوات البحث العلمي حجر الزاوية في بناء المعرفة الرصينة، وتأتي المقابلة في مقدمتها لما توفره من فهم عميق للسلوك الإنساني والمعاني الكامنة وراء الظواهر. إنها جسر يصل الباحث بالميدان الحقيقي، بعيدًا عن الأرقام الجامدة. وباستخدامها بأسلوب منهجي دقيق، تتحول البيانات إلى رؤى قابلة للتفسير والتحليل. وهكذا يكتمل البناء العلمي على أسس متينة من الصدق والموضوعية.
مرجعية المقال
عبيدات، ذوقان، عبد الحق، كايد، عدس، عبد الرحمن. (2015). البحث العلمي مفهومه وأدواته وأساليبه. دار الفكر-عمان
يونس، سارة، العناني. (1990). من أدوات البحث العلمي “المقابلة”. جمعية المكتبات والمعلومات الأردنية.37-50.