أنواع البحوث العلمية 3 تصنيفات

أنواع البحوث العلمية

أنواع البحوث العلمية

أنواع البحوث العلمية تُعد من أبرز المفاهيم التي ينبغي على الباحثين وطلبة الدراسات العليا الإلمام بها، إذ تشكل حجر الأساس في مسيرة البحث الأكاديمي الرصين. ففهم هذه الأنواع لا يقتصر فقط على تصنيف البحوث، بل يمتد ليشمل اختيار المنهجية الملائمة، وتحديد الأدوات العلمية المناسبة، وتوجيه الجهد البحثي نحو تحقيق أهداف دقيقة وفعالة.

يكتسب البحث العلمي أهميته من كونه المحرك الأساسي للتطور المعرفي، والتقني، والاجتماعي، كما يُعد أداة رئيسية في معالجة التحديات التي تواجه المجتمعات الحديثة. ولهذا، فإن اختيار نوع البحث العلمي المناسب يُعد خطوة مركزية في نجاح المشروع البحثي، سواء أكان نظريًا، تطبيقيًا، أو إجرائيًا.

يهدف هذا المقال إلى تقديم دليل شامل يُبرز تصنيف أنواع البحوث العلمية وفقًا لمجموعة من المعايير المعترف بها في الأوساط الأكاديمية، مثل الغرض من البحث، المنهجية، الإطار الزمني، وطبيعة البيانات. كما يسعى إلى توجيه الباحثين نحو الفهم الأعمق لمتطلبات كل نوع، مما يسهم في رفع جودة البحوث المنشورة وتعزيز مصداقيتها في المجتمع العلمي.

 

أنواع البحوث العلمية حسب الغرض

تُصنف البحوث العلمية من حيث الغرض إلى عدة أنواع تعكس التوجه البحثي الأساسي الذي يهدف إليه الباحث. فمنها ما يركز على إثراء المعرفة النظرية، ومنها ما يسعى إلى معالجة مشكلات عملية واقعية، ومنها ما يهدف إلى تقييم فعالية البرامج أو التدخلات، أو تحسين الأداء في بيئة مهنية معينة. يمثل هذا التصنيف مدخلاً مهمًا لفهم أعمق لغايات البحث العلمي ويساعد في توجيه الجهد البحثي نحو تحقيق أهداف دقيقة ومحددة. فيما يلي نستعرض الأنواع الرئيسية للبحوث العلمية حسب الغرض منها

أولا: البحوث النظرية (الأساسية)

تُعد البحوث النظرية أو ما يُعرف بـ “البحوث الأساسية” أحد أركان المعرفة العلمية، وهي من أنواع البحوث العلمية التي تهدف إلى تطوير النظريات وتوسيع الفهم النظري للظواهر دون التركيز على التطبيقات العملية المباشرة. وتُسهم هذه البحوث في بناء الأسس العلمية التي تُستند إليها البحوث التطبيقية لاحقًا. وفيما يلي أبرز الجوانب المرتبطة بهذا النوع من البحوث.

1- مفهوم البحث النظري (الأساسي)

البحث النظري هو من أنواع البحوث العلمية يهدف إلى توسيع المعرفة وفهم المبادئ العامة التي تحكم الظواهر دون أن يسعى لحل مشكلة عملية مباشرة. يُركّز على توليد الأفكار والنماذج التفسيرية طويلة المدى.

2- خصائص البحث النظري

يتّسم البحث النظري بالتركيز على التجريد، والاعتماد على المناقشة الفكرية والتحليل المنطقي، وغالبًا ما يُبنى على مراجعة الأدبيات والنظريات السابقة، ولا يشترط أن يقود إلى نتائج قابلة للتطبيق الفوري

3- أهداف البحث النظري

يهدف إلى تطوير النظرية، وشرح الظواهر من منظور أعمق، والكشف عن العلاقات بين المفاهيم العلمية. كما يسعى إلى بناء أطر نظرية جديدة أو تحسين القائمة منها.

4- مجالات استخدام البحث النظري

يُستخدم بشكل واسع في العلوم الأساسية كالفلسفة، الفيزياء النظرية، الرياضيات، علم النفس المعرفي، واللغويات النظرية، وغيرها من المجالات التي تهتم بالتأصيل المعرفي.

5- أدوات البحث النظري

تعتمد البحوث النظرية على التحليل الفكري، الاستقراء، الاستنباط، مراجعة الأدبيات، والنمذجة المفاهيمية، دون الحاجة إلى أدوات جمع بيانات ميدانية.

6- أهمية البحث النظري في تقدم العلوم

تشكل البحوث النظرية القاعدة التي تُبنى عليها التطبيقات، فهي تُسهم في تفسير الظواهر، وتوجّه البحوث التطبيقية، وتُعمّق فهمنا للقوانين العلمية.

شريط1

ثانيا: البحوث التطبيقية

تُعد البحوث التطبيقية أحد أهم أنواع البحوث العلمية فهي تمتلك أدوات حل المشكلات الواقعية في مختلف مجالات الحياة. فهي توظّف المعرفة العلمية لخدمة الواقع العملي من خلال اقتراح حلول فعّالة قابلة للتنفيذ. ويزداد الاعتماد على هذا النوع من البحوث في المؤسسات الأكاديمية والصناعية والتربوية. وفيما يلي أبرز ملامح البحوث التطبيقية.

1- مفهوم البحث التطبيقي

هو من أنواع البحوث العلمية يهدف إلى استخدام النتائج والنظريات القائمة لمعالجة مشكلات واقعية أو تحسين الأداء في مجال معين. ويركّز على تحقيق نتائج عملية ملموسة يمكن الاستفادة منها ميدانيًّا.

2- خصائص البحث التطبيقي

يتّسم البحث التطبيقي بتركيزه على الواقع العملي، وسعيه إلى تقديم حلول قابلة للتطبيق. ويجمع بين النظرية والممارسة، ويستخدم أدوات بحث دقيقة لجمع بيانات واقعية من الميدان.

3- الفرق بين البحث التطبيقي والنظري

بينما يهدف البحث النظري إلى توسيع المعرفة من أجل الفهم المجرد، فإن البحث التطبيقي يركّز على استخدام تلك المعرفة لحل مشكلات عملية. ويميل إلى تقديم نتائج فورية قابلة للتنفيذ

4- خطوات تنفيذ البحث التطبيقي

يتبع البحث التطبيقي منهجية منظمة تبدأ بتحديد مشكلة عملية، ثم تحليلها، واختيار المنهج والأداة المناسبين، وجمع البيانات، وانتهاءً بتقديم توصيات قابلة للتطبيق في البيئة المستهدفة

5- مجالات البحث التطبيقي

ينتشر في مجالات مثل التعليم، الإدارة، الصحة، الهندسة، الإعلام، والتقنية. ويُستخدم لتطوير السياسات، تحسين جودة الخدمات، أو اختبار برامج أو استراتيجيات محددة.

6- أدوات البحث التطبيقي

يعتمد على أدوات جمع بيانات ميدانية مثل الاستبيان، المقابلة، الملاحظة، أو الاختبارات المعيارية، ويستخدم تحليلًا إحصائيًا أو نوعيًا لفهم الواقع وتقديم توصيات دقيقة.

7- أهمية البحث التطبيقي

يسهم في تطوير المؤسسات وتحسين السياسات والبرامج، ويُقرّب المعرفة العلمية من احتياجات المجتمع، مما يعزّز من فاعلية القرارات المبنية على أدلة وبراهين.

8- معايير تقييم البحث التطبيقي

تُقيّم جودة البحث التطبيقي من خلال وضوح المشكلة، واقعية الحلول، فعالية التوصيات، والجدوى العملية لتنفيذ النتائج في البيئة المستهدفة.

 

ثالثا: البحوث التقييمية

تُعد البحوث التقييمية من أهم أنواع البحوث العلمية في ميدان البحث العلمي، وتهدف إلى إصدار أحكام علمية دقيقة حول البرامج، أو السياسات، أو الممارسات القائمة، بهدف تحسينها أو تطويرها أو اتخاذ قرارات بشأنها. وتُستخدم هذه البحوث على نطاق واسع في ميادين التعليم، والصحة، والإدارة العامة. وفيما يلي أبرز ما يُميز هذا النوع من البحوث.

1– مفهوم البحث التقييمي

البحث التقييمي هو دراسة علمية منهجية وهو من اهم أنواع البحوث العلمية يهدف إلى تحديد مدى فاعلية برنامج أو مشروع أو سياسة ما، من خلال فحص أهدافه، ونتائجه، ومدى كفاءته أو جدواه في الواقع العملي.

2- أهداف البحث التقييمي

يهدف إلى قياس الأداء، رصد نقاط القوة والضعف، وتحليل مدى تحقيق الأهداف المرسومة، ويُستخدم غالبًا لتقديم توصيات مبنية على الأدلة لصانعي القرار أو الجهات المنفّذة.

3- أنواع البحث التقييمي

يتنوّع إلى عدة أنواع، أبرزها:

  • التقييم التكويني (Formative Evaluation): يتم أثناء تنفيذ البرنامج لتحسينه.
  • التقييم الختامي (Summative Evaluation): يُجرى بعد التنفيذ لقياس مدى النجاح.
  • التقييم التنبّئي: يهدف إلى التوقع بنتائج برنامج لم يُنفذ بعد.
  • التقييم الاقتصادي: يقارن بين الكلفة والعائد.

4-   خصائص البحث التقييمي

يتّسم بأنه ميداني، تطبيقي، يستخدم أدوات كمية ونوعية، ويرتبط مباشرة بصنع القرار. كما أنه يركّز على المقارنة بين الأهداف المعلنة والنتائج الفعلية.

5- أدوات البحث التقييمي

يعتمد على أدوات متعددة مثل الاستبيانات، المقابلات، الملاحظات، السجلات الإدارية، وتحليل الوثائق. ويُفضل استخدام أدوات متعددة لضمان الدقة والموضوعية.

6- أهمية البحث التقييمي

يساعد المؤسسات على تحسين فعالية برامجها، وترشيد مواردها، واتخاذ قرارات مبنية على بيانات واقعية. كما يسهم في زيادة الشفافية والمساءلة المؤسسية.

 

ثالثا: البحوث الإجرائية (العمل الإجرائي)

تُعد البحوث الإجرائية، أو ما يُعرف ببحوث العمل (Action Research)، من أنواع البحوث العلمية التي تهدف إلى تحسين الممارسات المهنية من داخل بيئة العمل نفسها، وتُنفَّذ غالبًا من قبل العاملين في الميدان، مثل المعلمين أو المشرفين أو الأخصائيين، بهدف معالجة مشكلات واقعية بطريقة علمية مباشرة. وفيما يلي أبرز خصائص هذا النوع من البحوث.

1- مفهوم البحث الإجرائي

البحث الإجرائي هو عملية بحثية تُمارَس من داخل المؤسسة أو البيئة المهنية بهدف تحسين الأداء أو معالجة مشكلة قائمة، ويجمع بين العمل والتفكير العلمي بشكل تفاعلي.

2- أهداف البحث الإجرائي

يركز على تحسين الممارسات المهنية، تطوير أساليب العمل، تعزيز الوعي الذاتي لدى الممارسين، وتوفير حلول مباشرة قابلة للتنفيذ ضمن السياق الفعلي.

3- خصائص البحث الإجرائي

  • ميداني ومرتبط بواقع العمل.
  • تشاركي، غالبًا ما يضم فريقًا من العاملين.
  • تكراري وديناميكي (يُجرى على مراحل).
  • مرن، ويتيح تعديل الخطط بناءً على التغذية الراجعة المستمرة.

4- خطوات تنفيذ البحث الإجرائي

عادة ما يتبع الباحث الإجرائي هذه الخطوات:

  • تحديد المشكلة المهنية،
  • التخطيط للعمل،
  • تنفيذ الإجراء،
  • الملاحظة وجمع البيانات،
  • تحليل النتائج،
  • مراجعة وتحسين الخطط.

5- مجالات استخدام البحث الإجرائي

يُستخدم بشكل واسع في ميادين التربية (مثل تحسين استراتيجيات التدريس)، والإدارة، والخدمة الاجتماعية، والعلاج النفسي، وغيرها من المجالات العملية.

6- أدوات البحث الإجرائي

تتنوّع بحسب طبيعة المشكلة، وتشمل: الاستبانات، الملاحظة، سجلات الممارسين، المقابلات، أو اليوميات المهنية، وغالبًا ما تُستخدم أدوات نوعية أكثر من الكمية.

7- أهمية البحث الإجرائي

يساعد في بناء ثقافة التأمل والتطوير المستمر داخل المؤسسات، ويعزّز دور العاملين كممارسين باحثين، ويُسهم في اتخاذ قرارات مهنية مبنية على أسس علمية واقعية.

شريط2

أنواع البحوث العلمية حسب المنهجية

تُعد أنواع البحوث العلمية حسب المنهجية من التصنيفات الجوهرية التي تُحدد طبيعة الإجراءات التي يتبعها الباحث في جمع البيانات وتحليلها للوصول إلى نتائج علمية دقيقة. ويتضمن هذا التصنيف ثلاث اتجاهات رئيسية هي: البحث الكمي، والبحث النوعي، والبحث المختلط.

أولا: البحث الكمي

يُعد البحث الكمي من أبرز أنواع البحوث العلمية وأكثرها استخدامًا، خاصة في مجالات التربية، وعلم النفس، والاجتماع، والإدارة. ويتميّز هذا النوع من البحوث باعتماده على القياس الرقمي، وتحليل البيانات باستخدام الأساليب الإحصائية للوصول إلى نتائج موضوعية يمكن تعميمها. وفيما يلي عرض لأهم ملامحه ومكوناته الأساسية.

1- مفهوم البحث الكمي

البحث الكمي هو منهج علمي يعتمد على جمع بيانات رقمية قابلة للقياس، وتحليلها إحصائيًا بهدف التوصل إلى أنماط أو علاقات بين المتغيرات، أو اختبار فرضيات بحثية بشكل دقيق، هو ما يميز هذا النوع من أنواع البحوث العلمية.

2- خصائص البحث الكمي

يتّسم بالموضوعية، والقدرة على التعميم، واستخدام أدوات دقيقة، والاعتماد على العينات الإحصائية. كما يُركّز على المتغيرات القابلة للقياس الكمي، ويبتعد عن التفسيرات الذاتية.

3- أهداف البحث الكمي

يشمل الكشف عن العلاقات بين المتغيرات، اختبار الفرضيات، التنبؤ بالنتائج، وتفسير الظواهر استنادًا إلى بيانات كمية. كما يسعى لتقديم نتائج قابلة للتكرار والتحقق.

4- أدوات البحث الكمي

يعتمد على أدوات منظمة لجمع البيانات، أبرزها: الاستبيانات المغلقة، الاختبارات المعيارية، المقاييس النفسية، السجلات الرقمية، وقواعد البيانات الإحصائية.

5- عينة البحث في المنهج الكمي

يتطلب البحث الكمي اختيار عينة ممثلة للمجتمع الأصلي، وفق أساليب علمية مثل العينة العشوائية أو الطبقية. حجم العينة ودقتها يؤثران مباشرة في صدق النتائج.

6- التحليل الإحصائي

تُستخدم برامج مثل SPSS أو Excel أو R لتحليل البيانات الكمية، من خلال إحصاءات وصفية (مثل الوسط والانحراف) أو استدلالية (مثل اختبار T أو ANOVA)، حسب نوع الفرضيات والبيانات.

7- خطوات تنفيذ البحث الكمي

‏- تحديد مشكلة البحث وصياغة الفرضيات.
‏- اختيار المنهج والأداة والعينة.
‏- جمع البيانات وتشفيرها.
‏- التحليل الإحصائي للبيانات.
‏- تفسير النتائج وعرضها، مع تقديم التوصيات.

 

ثانيا: البحث النوعي

يُعد البحث النوعي من أنواع البحوث العلمية المهمة لفهم الظواهر الاجتماعية والإنسانية في سياقاتها الطبيعية. ويتميّز بقدرته على استكشاف التجارب، والتفسيرات، والمعاني التي يصنعها الأفراد حول واقعهم، بعيدًا عن الأرقام والإحصاءات الصارمة. وفيما يلي عرض لأبرز سماته ومكوناته الأساسية.

1- مفهوم البحث النوعي

البحث النوعي هو منهج علمي يُستخدم لاستكشاف الظواهر من منظور الأشخاص المعنيين بها، ويركّز على فهم المعاني والتجارب والسياقات دون الاعتماد على القياس الكمي أو الفرضيات المسبقة.

2- خصائص البحث النوعي

يتّسم بالمرونة، والانفتاح، والتعمّق في دراسة الظواهر. كما يُعتمد فيه على اللغة والتفسير أكثر من الأرقام، ويُجرى غالبًا في البيئات الطبيعية للمشاركين دون تدخل مصطنع.

3- أهداف البحث النوعي

يهدف إلى فهم وجهات نظر الأفراد، والكشف عن المعاني التي ينسبونها لتجاربهم، وتفسير السلوك في سياقه الاجتماعي أو الثقافي. كما يُستخدم لاكتشاف مفاهيم أو نظريات جديدة.

4- أدوات البحث النوعي

يعتمد على أدوات مثل: المقابلات المتعمقة، الملاحظة الميدانية، تحليل الوثائق والسجلات، والمجموعات البؤرية. ويُراعى أن تكون الأداة مرنة وتُتيح تفاعلاً حقيقياً مع المشاركين.

5- عينة البحث في المنهج النوعي

تُختار العينة بشكل غير احتمالي (مثل العينة القصدية أو عينة كرة الثلج)، وتكون عادة صغيرة الحجم، تُختار لجودة المعلومات التي يمكن أن تُقدّمها، وليس لتمثيل المجتمع الكلي.

6- تحليل البيانات النوعية

يُحلل الباحث البيانات عبر والتصنيف واستخلاص الأنماط والموضوعات المتكررة، ويُركّز على العمق والمعنى بدلاً من التكرار العددي. ويُستخدم في ذلك برامج مثل NVivo أو ATLAS.ti.

7- خطوات تنفيذ البحث النوعي

‏- تحديد المشكلة وصياغة أسئلة استكشافية.
‏- اختيار المنهج والنموذج (ظاهراتي، إثنوغرافي، دراسة حالة…).
‏- اختيار العينة والأداة المناسبة.
‏- جمع البيانات في الميدان.
‏- تحليل البيانات وتفسيرها في ضوء السياق.
‏- عرض النتائج بلغة وصفية دقيقة.

 

ثالثا: البحث المختلط

يُعد البحث المختلط (Mixed Methods Research) منهجاً متقدماً من أنواع البحوث العلمية يجمع بين المنهجين الكمي والنوعي ضمن دراسة واحدة، بهدف الاستفادة من نقاط قوة كل منهج وتعويض نقاط ضعفه. وتُستخدم هذه المنهجية بشكل متزايد في الدراسات التربوية والاجتماعية والصحية لفهم الظواهر من زوايا متعددة. وفيما يلي عرض لأهم ملامحه.

1- مفهوم البحث المختلط

هو منهج بحثي يُدمج بين الأساليب الكمية (المرتكزة على الأرقام والقياس) والنوعية (المرتكزة على التفسير والسياق) في دراسة واحدة، بهدف تقديم فهم شامل ومتكامل للظاهرة قيد البحث. وهو من أفضل أنواع البحوث العلمية

2- خصائص البحث المختلط

يتّسم بتكامل المناهج، وجمع البيانات من مصادر متعددة، وتحليلها باستخدام أدوات كمية ونوعية. كما يتطلب مهارات عالية من الباحث في التخطيط والتنفيذ والتفسير المتوازن للنتائج.

3- دواعي استخدام البحث المختلط

يُستخدم عندما تكون الظاهرة معقدة وتتطلب أكثر من نوع من البيانات، أو عندما يرغب الباحث في التحقق من نتائج نوعية باستخدام أدوات كمية (أو العكس)، أو في حال تعارض نتائج البحوث السابقة. فهو من أنواع البحوث العلمية الهامة

4- نماذج البحث المختلط

توجد عدة تصاميم منها:

  • النموذج التفسيري (جمع بيانات كمية أولاً، ثم نوعية لتفسيرها).
  • النموذج الاستكشافي (العكس: نوعية أولاً ثم كمية).
  • النموذج المتزامن (جمع النوعين في الوقت ذاته).
  • النموذج التحويلي (دمج البيانات في مرحلة التحليل).

5-   أدوات البحث المختلط

يجمع الباحث بين أدوات مثل: الاستبيانات المغلقة (للبيانات الكمية)، والمقابلات أو الملاحظات (للبيانات النوعية)، ويستخدم برامج تحليل مثل SPSS وNVivo بشكل متكامل.

6- تحليل البيانات

يُجرى التحليل على مرحلتين تحليل إحصائي للبيانات الكمية، وتحليل موضوعي أو تفسيري للبيانات النوعية، ثم يتم دمج النتائج للخروج باستنتاج موحّد يدعم تفسير الظاهرة بعمق.

7- خطوات تنفيذ البحث المختلط

‏- تحديد المشكلة وصياغة أسئلة تتطلب منهجين.
‏- اختيار التصميم المختلط المناسب.
‏- تطوير أدوات كمية ونوعية متكاملة.
‏- جمع البيانات وتحليل كل نوع منها على حدة.
‏- دمج النتائج وتفسيرها في سياق واحد متماسك.

 

أنواع البحوث العلمية ذات الأغراض الخاصة

يشمل هذا التصنيف مجموعة من أنواع البحوث العلمية التي لا تندرج بدقة تحت التصنيفات التقليدية السابقة، لكنها تكتسب أهميتها من ارتباطها بسياقات بحثية خاصة أو أهداف معرفية محددة. تهدف هذه الأنواع إلى استكشاف الظواهر، وصفها، تحليل أحداثها التاريخية أو اختبار العلاقات السببية من خلال تجارب مضبوطة.

أولا: البحوث الوصفية

تُعد البحوث الوصفية من أكثر أنواع البحوث العلمية استخدامًا في العلوم الإنسانية والاجتماعية، حيث تهدف إلى تقديم صورة دقيقة ومنهجية لظاهرة أو موقف معين كما هو في الواقع، دون تدخل الباحث في تغييره. وتُستخدم لفهم طبيعة الظواهر، وتحديد خصائصها أو تكرارها أو توزّعها الإحصائي.

1- مفهوم البحث الوصفي

هو نوع من أنواع البحوث العلمية يهدف إلى وصف الظواهر كما تحدث في الواقع، من خلال جمع بيانات كمية أو نوعية وتحليلها بهدف فهم خصائص الظاهرة، أو تحديد نمطها، أو قياس مدى انتشارها.

2- أهداف البحث الوصفي

يسعى إلى وصف الظواهر والاتجاهات السائدة، تصنيف الأفراد أو السلوكيات، تحديد العلاقات بين المتغيرات (دون تفسير سببي)، وبناء قاعدة معرفية يمكن الرجوع إليها في الدراسات المستقبلية.

3- خصائص البحث الوصفي

يتّسم بالحيادية والموضوعية، والاعتماد على أدوات منهجية لجمع البيانات، مع التركيز على تقديم معلومات دقيقة ومفصّلة حول الظاهرة دون تدخل أو تعديل في المتغيرات.

4- أدوات البحث الوصفي

تشمل الاستبيانات، المقابلات المنظمة، الملاحظة المنهجية، وتحليل الوثائق أو السجلات. وتُستخدم هذه الأدوات لجمع بيانات كمية أو نوعية عن الظواهر المدروسة.

5- أنواع البحوث الوصفية

  • الدراسة المسحية: تهدف إلى جمع بيانات من عدد كبير من الأفراد حول ظاهرة معينة.
  • دراسة الحالة: تتناول حالة واحدة أو قليلة بالتفصيل العميق.
  • الدراسة الميدانية: تتم في بيئة الظاهرة باستخدام الملاحظة والمشاركة.
  • الدراسة الارتباطية: تدرس العلاقة الإحصائية بين متغيرين أو أكثر دون استنتاج علاقة سببية.

6- أهمية البحث الوصفي

يوفّر قاعدة معرفية أساسية حول الظواهر الاجتماعية أو السلوكية، ويدعم صانعي القرار بمعلومات دقيقة، كما يُعد خطوة تمهيدية لبحوث أكثر عمقًا أو تطبيقية.

 

ثانيا: البحوث الاستطلاعية

تُعد البحوث الاستطلاعية أحد أنواع البحوث العلمية الوصفية التي تُستخدم كبداية لاستكشاف موضوع أو ظاهرة جديدة لم يتم تناولها بعمق من قبل. وتهدف هذه البحوث إلى جمع معلومات أولية تساعد على بلورة المشكلة البحثية وتوجيه الدراسات اللاحقة نحو مسار علمي أكثر تحديدًا. وفيما يلي أبرز ما يُميز هذا النوع من البحوث.

1- مفهوم البحث الاستطلاعي

هو بحث أولي يُستخدم هذا النوع من أنواع البحوث العلمية لاستكشاف مجال أو موضوع غير مدروس بشكل كافٍ، ويهدف إلى تكوين فكرة أولية عن المشكلة أو الظاهرة، دون السعي للوصول إلى نتائج نهائية أو تعميمات.

2- أهداف البحث الاستطلاعي

من أبرز أهدافه جمع معلومات عامة حول موضوع معين، تحديد المتغيرات ذات الصلة، بلورة مشكلة البحث، مساعدة الباحث على وضع أسئلة أو فرضيات مستقبلية، أو اختبار إمكانية تنفيذ بحث أوسع.

3- خصائص البحث الاستطلاعي

يتسم بالمرونة والبساطة، وغالبًا ما يُستخدم في المراحل المبكرة من البحث العلمي. لا يشترط التعميم، ويُركّز على اكتشاف المؤشرات والمعطيات التي قد تُستخدم لاحقًا في دراسات أكثر عمقًا.

4- أدوات البحث الاستطلاعي

تشمل أدواته المقابلات المفتوحة، الاستبيانات البسيطة، مراجعة الأدبيات، الاستشارات مع الخبراء، أو الملاحظات الميدانية. ويتم اختيار الأداة وفق طبيعة المجال ومدى توفر المعلومات.

5- استخدامات البحث الاستطلاعي

يُستخدم لتحديد جدوى إجراء بحث موسّع، أو لاختبار صلاحية أداة معينة، أو لاستكشاف اتجاهات أو مشكلات لم يُسبق دراستها، خاصة في الأوساط الجديدة أو الناشئة.

6- أهمية البحث الاستطلاعي

يساعد الباحث على بناء خلفية معرفية واسعة، وتقليل الأخطاء في تصميم البحوث المستقبلية، كما يُعد أداة فعالة لفهم البيئة البحثية والتأكّد من جدوى الموضوع المختار.

 

ثالثا: البحوث التاريخية

تُعد البحوث التاريخية من أنواع البحوث العلمية التي تهدف إلى دراسة الوقائع والأحداث الماضية بهدف فهم الحاضر واستشراف المستقبل. وتعتمد هذه البحوث على تحليل الوثائق والسجلات والآثار التي خلفها الإنسان، لتفسير الظواهر التاريخية وتحليل سياقاتها ومعانيها. وفيما يلي أبرز عناصر هذا النوع من البحوث

1- مفهوم البحث التاريخي

البحث التاريخي هو نوع من أنواع البحوث العلمية يستند إلى دراسة وتحليل أحداث وقعت في الماضي، اعتماداً على مصادر أصلية وثانوية، بهدف إعادة بناء تلك الأحداث وتفسيرها في سياقها الزمني والاجتماعي والسياسي.

2- أهداف البحث التاريخي

يهدف إلى فهم تطور الظواهر والمؤسسات بمرور الزمن، واستخلاص الدروس والعبر، وتحليل العلاقات بين الأسباب والنتائج التاريخية، وتفسير التغيرات الثقافية والاجتماعية في ضوء تطورها التاريخي.

3- خصائص البحث التاريخي

يتّسم بالاعتماد على المصادر المكتوبة والشفوية والمرئية، وضرورة توثيق المعلومات وتحليلها نقدياً، بالإضافة إلى التزام الباحث بالدقة والموضوعية عند التعامل مع الوقائع التاريخية.

4- مصادر البحث التاريخي

  • مصادر أولية: مثل الوثائق الرسمية، الرسائل، المذكرات، الجرائد، الصور، المحفوظات، والمقابلات مع شهود العيان.
  • مصادر ثانوية: كالدراسات السابقة، الكتب، التحليلات، والمقالات الأكاديمية.

5- خطوات تنفيذ البحث التاريخي

  1. اختيار الموضوع وصياغة الإشكالية.
  2. ‏تحديد الإطار الزمني والمكاني للدراسة.
  3. جمع المصادر التاريخية وتوثيقها.
  4. ‏تحليل الوقائع والمقارنة بين المصادر.
  5.  تفسير النتائج في ضوء السياق التاريخي.
  6. ‏كتابة التقرير النهائي مع التوثيق الدقيق.

6-   مناهج التحليل التاريخي

تشمل التحليل الوثائقي، والمنهج المقارن، والتحليل السببي (العلّي)، وقد يستخدم الباحث التأريخ الزمني أو الموضوعي بحسب طبيعة الظاهرة المدروسة.

7 – أهمية البحث التاريخي

يسهم في فهم الجذور التاريخية للظواهر المعاصرة، ويُستخدم لتفسير الحركات الفكرية والسياسية والاجتماعية، كما يعزّز الهوية الثقافية ويُساعد في صُنع القرار على أسس تاريخية راسخة.

شريط3

رابعا: البحوث التجريبية

تُعد البحوث التجريبية من أكثر أنواع البحوث العلمية دقة في اختبار العلاقات السببية بين المتغيرات. وهي تُستخدم على نطاق واسع في ميادين التربية، والعلوم الطبيعية، والطب، والنفس، حيث تُساعد الباحث على تحديد أثر المتغير المستقل على التابع من خلال تصميم تجريبي مضبوط. وفيما يلي عرض لأهم ملامح البحث التجريبي.

1- مفهوم البحث التجريبي

هو بحث علمي من أنواع البحوث العلمية يسعى لاختبار العلاقة السببية بين متغيرين أو أكثر، من خلال التلاعب المتعمد في أحد المتغيرات (المستقل) وملاحظة تأثيره على متغير آخر (التابع)، مع ضبط المتغيرات الأخرى.

2- أهداف البحث التجريبي

يهدف هذا النوع من أنواع البحوث العلمية إلى التحقق من وجود علاقة سببية، واختبار فرضيات علمية، وتحديد فعالية برامج أو أساليب تعليمية أو علاجية، وتقديم نتائج دقيقة وقابلة للتكرار والتطبيق.

3- خصائص البحث التجريبي

يتّسم بالتحكم الدقيق في المتغيرات، والقدرة على تعميم النتائج، والاعتماد على أدوات قياس معيارية. كما يستخدم مجموعات تجريبية وضابطة لمقارنة التأثيرات.

4- تصميمات البحث التجريبي

  • التصميم الحقيقي (True Experimental): يتضمن التوزيع العشوائي للمشاركين.
  • التصميم شبه التجريبي (Quasi-Experimental): بدون توزيع عشوائي.

5- أدوات البحث التجريبي

يعتمد على أدوات دقيقة قابلة للقياس الكمي مثل الاختبارات التحصيلية، المقاييس النفسية، الاستبيانات المغلقة، وأجهزة القياس الفيزيائي أو الحيوي.

6- خطوات تنفيذ البحث التجريبي

  1. ‏تحديد المشكلة وصياغة الفرضيات السببية.
  2. ‏اختيار التصميم التجريبي المناسب.
  3. تحديد العينة وتقسيمها (ضابطة وتجريبية).
  4. تطبيق المتغير المستقل على المجموعة التجريبية.
  5. جمع البيانات وتحليلها إحصائيًا.
  6. تفسير النتائج وتقييم صدقها.

 

كيفية اختيار نوع البحث المناسب؟

اختيار نوع من أنواع البحوث العلمية المناسبة يُعد من القرارات المنهجية الحاسمة في مسيرة الدراسة، إذ يوجّه الباحث في تحديد المنهج والأدوات وتحليل البيانات. ويعتمد هذا الاختيار على مجموعة من المعايير التي تضمن توافق نوع البحث مع طبيعة المشكلة البحثية وأهدافها. وفيما يلي خطوات اختيار أنواع البحوث العلمية المناسبة:

  1. طبيعة المشكلة البحثية: هل هي وصفية، تفسيرية، استكشافية، أم تجريبية؟
  2. نوع البيانات المطلوبة: بيانات كمية قابلة للقياس أم بيانات نوعية تحتاج إلى تفسير.
  3. أهداف الدراسة: هل تهدف إلى وصف واقع، اختبار علاقة، فهم تجربة، أم قياس أثر؟
  4. درجة توفر المصادر والمعلومات: مدى توافر الدراسات السابقة أو المراجع النظرية.
  5. زمن الدراسة وإمكانات الباحث: مثل الوقت المتاح، الميزانية، والمهارات المتوفرة.
  6. حجم العينة وإمكانية الوصول إليها: ما إذا كانت كبيرة وممثلة أو صغيرة ومحدودة.
  7. البيئة البحثية: هل هي بيئة طبيعية، أو مختبرية، أو إلكترونية، أو مجتمعية.
  8. درجة التحكم في المتغيرات: وهذا معيار حاسم لتحديد إمكانية استخدام البحث التجريبي.
  9. إمكانية تعميم النتائج: إذا كان الهدف الوصول إلى نتائج قابلة للتعميم، يُفضّل البحث الكمي
  10. توفر أدوات القياس المناسبة: كوجود استبيانات أو مقاييس جاهزة أو الحاجة لتطوير أدوات جديدة.

 

الخاتمة

تُعد أنواع البحوث العلمية أداة رئيسية لفهم الواقع وتحليل الظواهر وبناء النظريات أو اختبارها. إن التمييز بين هذه الأنواع يُمكّن الباحث من اختيار المنهجية الأنسب التي تخدم أهداف بحثه بكفاءة. كما أن الإلمام بهذه التصنيفات يُسهم في رفع جودة الإنتاج العلمي وتحقيق نتائج أكثر موثوقية. ومن المهم أن يكون لدى الباحث وعي مستمر بالتطورات المنهجية الحديثة. وفي الختام، فإن الإحاطة بأنواع البحوث العلمية ضرورة لا غنى عنها لأي باحث يسعى نحو التميز الأكاديمي.

Scroll to Top