القواعد المنهجية التربوية لبناء الاستبيان
يعتبر بناء الاستبيان من أكثر الأدوات البحثية استخدامًا في الدراسات العلمية، حيث يسهم بشكل فعال في جمع البيانات واختبار الفروض البحثية. ومع ذلك، يجب على الباحث مراعاة مجموعة من القواعد المنهجية التربوية لبناء الاستبيان، بما في ذلك تحديد طبيعة المشكلة البحثية، والاطلاع على الدراسات السابقة، واختيار المنهج المناسب، وتحديد العينة المستهدفة بدقة. نظرًا لاختلاف الأدوات البحثية مثل الاستبيان، المقابلة، الملاحظة، والاختبارات المقننة من حيث المزايا والقيود، يصبح من الضروري على الباحث اختيار الأداة الأكثر ملاءمة لضمان جمع بيانات دقيقة وموثوقة تدعم أهداف دراسته. في هذا المقال، سوف نستعرض القواعد الأساسية لبناء الاستبيان وفق الأسس المنهجية التربوية لضمان تحقيق أعلى درجات الدقة والمصداقية في البحث العلمي.
مفهوم الاستبيان في البحث العلمي
الاستبيان هو أداة لجمع البيانات من أفراد أو جماعات كبيرة عبر استمارة تضم مجموعة من الأسئلة، بهدف الحصول على معلومات كيفية أو كمية. يُستخدم بمفرده أو مع أدوات بحث أخرى، ويُصمم للوصول إلى حقائق محددة حول موضوع البحث. يتميز بأنه أداة لفظية مباشرة تُستخدم لاستكشاف خبرات واتجاهات الأفراد، حيث يجيب المفحوصون على الأسئلة دون تدخل الباحث.
أهمية الاستبيان في البحث العلمي
شهد أواخر القرن الماضي انتقادات للطرق التقليدية في دراسة السلوك البشري، حيث أدرك العلماء، مثل “ستانلي هول” وأتباعه، قصور الملاحظة الاستنباطية في الإجابة على أسئلة تتعلق بالطفولة والشباب. أدى ذلك إلى البحث عن وسائل جديدة، مما ساهم في انتشار استخدام الاستبيان كأداة لجمع البيانات، ولا يزال يحتل مكانة بارزة في الأبحاث الاجتماعية. ووفقًا لـ “بولين يونج”، زاد استخدام الاستبيان بشكل ملحوظ في الولايات المتحدة، خاصة من قبل الحكومة والهيئات الصناعية والتجارية، للمساعدة في التخطيط ووضع السياسات. كما يُستخدم في قياس الرأي العام والبحوث التربوية لدراسة الاتجاهات والآراء، وفي بعض الحالات، يُعد الوسيلة الوحيدة لجمع البيانات لإثبات صحة الفرضيات البحثية.
المعايير التربوية المنهجية لإعداد الاستبيان
يتطلب تصميم الاستبيان عناية فائقة لضمان دقة النتائج، وذلك من خلال دراسة جمهور البحث بعناية. وتشمل عملية البناء مراعاة الجوانب الشكلية والتنسيقية، بالإضافة إلى صياغة الأسئلة وأنواعها وفقًا للبيانات المطلوبة. ورغم اختلاف التصميم حسب موضوع البحث، إلا أن هناك مجموعة من القواعد المنهجية التربوية لبناء الاستبيان يجب اتباعها، وتشمل أسسًا عامة تسهم في إعداد أسئلة واضحة وفعالة.
أولا: ما يتم قبل البدء بصياغة الفقرات أو الأسئلة
1- إطار البحث
يُعد تحديد إطار البحث خطوة أساسية في تصميم الاستبيان، حيث يتطلب تقسيم الموضوع الرئيسي إلى مشكلات فرعية، ثم تحليل كل منها إلى نقاط جزئية لضمان شمولية البحث وتجنب التطرق إلى موضوعات غير ضرورية. ويتم ذلك من خلال استعراض الأدبيات العلمية والمراجع ذات الصلة. وتُعد هذه الخطوة من القواعد المنهجية التربوية لبناء الاستبيان، حيث تساعد في توجيه الأسئلة نحو جمع بيانات دقيقة وذات صلة بموضوع البحث.
2- تصميم الجداول الصماء
يُعد تصميم الجداول الصماء خطوة أساسية في إعداد الاستبيان، حيث لا يكفي تحديد إطار البحث وحده لصياغة أسئلة دقيقة. يجب على الباحث حصر جميع المعلومات المطلوبة وتوقع النتائج المحتملة في جداول صماء قبل بدء البحث. تساعد هذه الطريقة في تطوير أسئلة ذات دلالة واضحة، وتحديد العلاقات بين المتغيرات، مما يسهم في تحليل البيانات إحصائيًا بدقة وكفاءة، وبالتالي الحصول على نتائج موثوقة تدعم أهداف البحث.
3- أسئلة الاستبيان
لتحديد أسئلة الاستبيان، يجب على الباحث حصر البيانات المطلوبة، سواء كانت حقائق، معتقدات، اتجاهات، أو أنماط سلوك. تنقسم الأسئلة إلى نوعين: الأسئلة المغلقة التي تتضمن إجابات محددة يختار منها المشاركون، مثل تحديد المستوى التعليمي، والأسئلة المفتوحة التي تتيح إجابات أكثر تفصيلاً.
ثانيا: وضع استمارة الاستبيان في صورتها الأولية
يمر تصميم الاستبيان بثلاث مراحل أساسية: الإعداد، التحكيم، والاختبار. يبدأ بإعداد استمارة أولية بأسئلة سهلة وجذابة، تليها أسئلة حول الآراء والاتجاهات، ثم البيانات الشخصية. بعدها، يُعرض على خبراء متخصصين لتحكيمه وضمان تحقيق أهداف البحث، ثم يُختبر ميدانيًا لضمان صلاحيته قبل التعديل النهائي، مع التدقيق اللغوي لضمان وضوحه ودقته في جمع وتحليل البيانات. وتؤكد الأبحاث أن تصميم الاستبيان يتطلب ثلاث خطوات رئيسية هي كالتالي:
- النموذج التصوري: يساعد النموذج التصوري الباحث في تحديد نوع البيانات المطلوبة وتحليلها إلى بنود مرتبطة بمتغيرات البحث، ثم صياغة أسئلة مناسبة لكل عنصر. ويوصي جود وهات بالبدء من جوهر المشكلة والتوسع التدريجي لضمان شمولية ودقة البيانات المستهدفة.
- إجراء بعض المقابلات والتحليلات الاستطلاعية: وذلك أن نزول الباحث إلي ميدان البحث يكشف له الكثير ، ويضيف له كثير من المعلومات التي قد لا يجدها في مكان آخر مما يساعده في إضافة بنود، أو زيادة بعض العبارات ،أو الأسئلة في الاستبيان.
- تطوير الأسئلة واختبارها لضمان الدقة والملاءمة: يتم تطوير الأسئلة لتكون أكثر دقة وتقنية، ثم اختبارها على عينات صغيرة لتقييم مدى ملاءمتها. بعد ذلك، تُعدَّل وتنقَّح بما يتوافق مع المتطلبات النظرية للبحث، مما يضمن جمع بيانات تجريبية ذات دلالة.
ثالثا: استراتيجيات تحديد شكل الأسئلة أو شكل الإجابات
يتطلب بناء الاستبيان قرارات استراتيجية تحدد مستوى تقنين الأسئلة ونوعها، سواء كانت مباشرة أو إسقاطيه، مفتوحة أو مغلقة، فردية أو متجمعة. كما تشمل القرارات التكتيكية تحديد شكل الإجابات وفقًا لعوامل مثل عمر المفحوص ومستواه العلمي وأهداف البحث. وتُعد هذه الخطوات من القواعد المنهجية التربوية لبناء الاستبيان، حيث تضمن دقة جمع البيانات وفاعلية تحقيق أهداف البحث.
رابعا: وضع الأفكار لوضع صياغة ملائمة للأسئلة، أو العبارات أو الفقرات
يجب على الباحث عند بناء الاستبيان صياغة الأسئلة والعبارات باستخدام مفردات المستجيبين، ولغتهم لضمان، وضوح الفهم، والتفاعل. يمكن تحقيق ذلك من خلال المقابلات الاستطلاعية التي يجريها الباحث، مما يساعده في اختيار التعبيرات المناسبة. ولضمان صياغة فعالة ومفهومة، ينبغي وفقا للقواعد المنهجية التربوية لبناء الاستبيان الالتزام بالاعتبارات التالية:
- اللغة: يجب أن تتناسب لغة الاستبيان مع مستوى المستجيبين، باستخدام مفردات بسيطة للعامة ولغة فصحى للمثقفين. كما ينبغي تجنب الغموض والأسئلة الطويلة أو المركبة لضمان وضوح الفهم وسهولة الإجابة
- مستوي المعرفة والمعلومات: يجب على الباحث عدم افتراض قلة معرفة المستجيب، حيث قد يتظاهر بالمعرفة بدلًا من الاعتراف بعدمها. يمكن كشف ذلك باستخدام أسئلة تصفية مثل: “هل سبق وسمعت عن…؟” للمساعدة في غربلة الإجابات والتحقق من مدى إلمامه بالموضوع.
- التحديد والتخصيص في الأسئلة: يفضل صياغة الأسئلة بشكل محدد ومرتبط بوقائع واضحة لتجنب الغموض وتسهيل استرجاع المستجيب للمعلومات، مما يضمن إجابات دقيقة وموضوعية.
- تحديد شكل متغيرات الإجابة على السؤال: يجب أن تكون الأسئلة محايدة دون توجيه المستجيب نحو إجابة معينة، وذلك بذكر جميع البدائل الممكنة أو تجنب الإيحاء بإجابة محددة، مما يضمن دقة وموضوعية الاستجابات.
خامسا: بعض إرشادات صوغ الفقرات أو أسئلة الاستبيان:
يقع بعض الباحثين في أخطاء عند تصميم الاستبيان، مثل عدم تحديد الهدف بدقة أو ضعف صياغة العبارات، مما يؤدي إلى فهم مختلف لدى المستجيبين. ولتجنب ذلك، يُنصح باتباع الإرشادات التالية، والتي تُعد من القواعد المنهجية التربوية لبناء الاستبيان:
- التأكد من أن محتوى السؤال ينطبق على جميع أفراد العينة.
- ضمان أن تكون الصياغة واضحة وتحقق الغرض المطلوب.
- إبراز الكلمات المفتاحية باستخدام خط عريض أو تسطيرها.
- تجنب البدائل غير المناسبة أو العدد غير الملائم منها.
- تجنب ازدواجية المعنى وتعدد الأفكار في سؤال واحد.
- استخدام مصطلحات واضحة وسهلة التفسير.
- تجنب الكلمات غير الدقيقة مثل “غالبًا” أو “أحيانًا”.
- الحذر من استخدام النفي المركب، وإن لزم، يجب توضيحه للمستجيب.
سادسا: فن صياغة الأسئلة، والاستجابة للاستبيان
تعد أسئلة الاستبيان أداة أساسية لجمع بيانات دقيقة، لذا يجب صياغتها بعناية لتجنب سوء الفهم أو التحيز، وضمان توافقها مع أهداف البحث وتشجيع المستجيب على إجابات واضحة وموضوعية. عند تصميم أسئلة الاستبيان، يجب مراعاة النقاط التالية، وفقًا للقواعد المنهجية التربوية لبناء الاستبيان:
- وضوح المضمون: يجب أن يكون السؤال مفهومًا ومحددًا لضمان دقة الاستجابة.
- ملاءمة الكلمات: اختيار مفردات مناسبة لمستوى المستجيبين الثقافي واللغوي.
- تحييد السياق: تجنب التحيز في ترتيب الأسئلة أو فئات الإجابة لضمان ردود موضوعية.
- تشجيع التعبير الكامل: تصميم الأسئلة بحيث تساعد المستجيب على تقديم إجابة متكاملة تعكس أفكاره بوضوح.
- تفادي الصياغة المعقدة: تجنب الأسئلة التي قد تربك المستجيب أو تجعله مترددًا في الإجابة.
سابعا: قواعد صوغ الأسئلة أو الفقرات للاستبيان:
عند تصميم أسئلة الاستبيان، يجب الالتزام بعدة قواعد لضمان دقة وفاعلية جمع البيانات، وفقًا للقواعد المنهجية التربوية لبناء الاستبيان، ومنها:
- تحديد نوع الأسئلة وفقًا للحقائق أو السلوكيات أو العلاقات المتبادلة.
- توافق الأسئلة مع هدف الاستبيان وطبيعة الموضوع، دون التقيد بعدد محدد من الفقرات.
- اختيار نوع الأسئلة (مفتوحة، مغلقة، مجسمة، غير مجسمة) وفقًا لطبيعة البحث والعينة.
- تحقيق الثبات بحيث تعطي الأسئلة نتائج متشابهة عند إعادة التطبيق، وضمان صدقها بقياسها لما وضعت لأجله.
- استخدام أسئلة استكشافية للتحقق من صدق المجيب.
- مراعاة الدقة والوضوح في الصياغة، مع تجنب الأسئلة الطويلة أو المشتتة.
- تقسيم الأسئلة إلى أبعاد محددة، وتجنب توزيع السؤال الواحد بين صفحتين.
- الابتعاد عن الأسئلة المحرجة أو المستفزة، وإضافة أرقام لكل سؤال وإجابة.
- جعل الأسئلة مشوقة وسهلة التبويب، بحيث تحمل كل منها فكرة واحدة.
- تجنب الأسئلة البديهية أو التي تحتوي على إجابة ضمنية، والابتعاد عن أسلوب التحقيق أو الاستعلاء.
- مراعاة مستوى المستجيب اللغوي وتقسيم الأسئلة إلى مجموعات متجانسة وفقًا لمتغيرات البحث
ثامنا: أساليب متعددة لكتابة الإجابات المناسبة حسب نوع أسئلة كل استبيان
لابد أن يضع الباحث في اعتباره القواعد المنهجية التربوية لبناء الاستبيان لضمان دقة وصحة الإجابات، وتشمل:
- الإجابات المفتوحة: تتيح للمجيب حرية التعبير بأسلوبه دون تحديد إجابة معينة، مع ضرورة توفير مساحة كافية للإجابة.
- الإجابات المغلقة (المقيدة): يقدم فيها الباحث خيارات محددة، وعلى المجيب اختيار الأنسب.
- إجابات التكملة: تشبه الإجابات المفتوحة، لكنها مقيدة بمعلومات محددة يتوقعها الباحث.
- الإجابات المجدولة: يترك فيها الباحث فراغًا للمجيب ليملأه بكلمات أو عبارات محددة.
- الإجابات ذات المقياس: تعتمد على تدرجيات لقياس درجة القناعة أو الرأي.
- الإجابات المرتبة: يحدد الباحث ترتيب العبارات، ويختار المجيب ما يناسبه منها.
- الإجابات المختارة: يختار المجيب إجابة محددة، ويضع علامة (✔) أو (✖).
- الإجابات ذات الخيارين (قائمة الشطب): تتطلب اختيار إجابة واحدة فقط ووضع علامة صح أو خطأ.
- يفضل أن يكون السؤال مختصرًا، لا يتجاوز 20 كلمة، مع استخدام كلمات مألوفة وبسيطة، وعدم تجاوز البدائل اثنين أو ثلاثة، لتجنب الغموض وتحقيق الوضوح في الإجابات.
الخاتمة
في نهاية هذا المقال اتضح لنا أن الاستبيان أداة بحثية أساسية لجمع البيانات وتحليلها بدقة، مما يساعد في دعم الفرضيات البحثية والوصول إلى نتائج موثوقة. ولتحقيق ذلك، يجب الالتزام بالقواعد المنهجية التربوية لبناء الاستبيان، من خلال تحديد المشكلة البحثية، اختيار الأسئلة المناسبة، وصياغتها بوضوح، مع مراعاة مستوى المستجيبين. كما يسهم الاختبار الميداني والتحكيم العلمي في تحسين جودة بناء الاستبيان، مما يجعله وسيلة فعالة لدعم الأهداف البحثية وتعزيز المعرفة العلمية.