خطوات اختيار الإشكالية البحثية وصياغتها بأسلوب أكاديمي
تمثل الإشكالية البحثية حجر الأساس الذي يُبنى عليه البحث العلمي، إذ تُحدد مساره المنهجي، وتوجه أدواته، وتضبط نتائجه. ولا يمكن لأي دراسة أكاديمية أن تحقق قيمة علمية حقيقية ما لم تنطلق من إشكالية واضحة ومبررة علميًا، تعكس وعي الباحث بالأدبيات السابقة، وقدرته على التحليل النقدي، واستيعابه لمتطلبات البحث العلمي المعتمد في الجامعات السعودية.
ما المقصود بالإشكالية البحثية؟
تشير الإشكالية البحثية إلى صياغة علمية دقيقة لموقف معرفي أو ظاهرة علمية يكتنفها غموض أو قصور أو تضارب في التفسير، وتستدعي الدراسة والتحليل. وهي لا تعني مجرد عرض مشكلة واقعية، بل تمثل بناءً فكريًا ينطلق من تساؤل مركزي يعكس تعارضًا أو نقصًا في المعرفة العلمية القائمة.
وتختلف الإشكالية البحثية عن الوصف العام للموضوع، إذ تُعبّر عن سؤال علمي محدد قابل للفحص والتحليل، ويستند إلى مراجعة واعية للدراسات السابقة.
الفرق بين الإشكالية البحثية ومشكلة البحث
تُعد الإشكالية من المفاهيم المحورية في بناء البحث العلمي، إذ يترتب على فهمها الصحيح ضبط مسار الدراسة منذ بدايتها. ويقود الخلط بينها وبين مشكلة البحث إلى ضعف التأطير النظري وتشوش المنهجية، كالتالي:
1-الإشكالية البحثية بوصفها الإطار الفكري العام
تمثل الإشكالية الإطار النظري والفكري الذي يفسر لماذا يستحق الموضوع الدراسة، فهي تنطلق من تساؤلات معرفية كبرى مرتبطة بحقل علمي معين، ولا تُصاغ بالضرورة في صورة سؤال قابل للاختبار المباشر.
2-مشكلة البحث بوصفها صياغة تطبيقية محددة
تأتي مشكلة البحث باعتبارها ترجمة عملية للإشكالية البحثية، حيث تُصاغ في صورة سؤال أو مجموعة أسئلة محددة قابلة للدراسة الميدانية والقياس والتحليل.
3-مستوى التجريد في الإشكالية مقابل التحديد في المشكلة
تتسم الإشكالية بدرجة عالية من التجريد والشمول، في حين تتسم مشكلة البحث بالتحديد والضبط الزمني والمكاني والمنهجي، بما يسمح بمعالجتها علميًا.
4-وظيفة الإشكالية في توجيه الإطار النظري
تسهم الإشكالية في اختيار الإطار النظري المناسب للدراسة، إذ تحدد الزاوية الفكرية التي ينظر الباحث من خلالها إلى الظاهرة محل البحث.
5-وظيفة مشكلة البحث في توجيه المنهجية
تلعب مشكلة البحث دورًا أساسيًا في تحديد المنهج المستخدم، وأدوات جمع البيانات، والعينة، وأساليب التحليل، كونها تمثل جوهر العمل التطبيقي.
6-العلاقة التكاملية بين الإشكالية والمشكلة
لا تُعد الإشكالية بديلًا عن مشكلة البحث، ولا العكس، بل تقوم بينهما علاقة تكامل، حيث تنبثق المشكلة من الإشكالية وتعمل على معالجتها جزئيًا.
7-دور التمييز بينهما في تعزيز الأصالة
يساعد التمييز الدقيق بين الإشكالية ومشكلة البحث على إبراز أصالة الدراسة، ويعكس نضج الباحث وقدرته على بناء بحث متماسك علميًا.
وبعد توضيح الفرق المنهجي بين الإشكالية ومشكلة البحث، يصبح من الضروري الانتقال إلى فهم دوافع الباحث عند سعيه لتحديد الإشكالية البحثية، باعتبارها نقطة الانطلاق الفكرية لأي دراسة علمية رصينة.

لماذا يحرص الباحث على تحديد الإشكالية البحثية بدقة؟
تمثل الإشكالية البحثية نقطة الانطلاق الفكرية لأي بحث علمي رصين، إذ تعبّر عن وعي الباحث بطبيعة الحقل العلمي وحدوده وأسئلته الكبرى. وتنطلق نية الباحث في هذا السياق من رغبته في بناء دراسة أصيلة ومتماسكة تستوفي المعايير الأكاديمية المعتمدة، كما يلي:
- يسعى الباحث إلى اختيار إشكالية بحثية غير مكررة تعكس إضافة معرفية حقيقية للحقل العلمي.
- يهدف إلى بناء إشكالية منبثقة من تحليل نقدي للدراسات السابقة لا من الاهتمامات الشخصية فقط.
- يحرص الباحث على أن تكون الإشكالية قابلة للتحويل إلى مشكلة بحثية واضحة ومحددة.
- يراعي اتساق الإشكالية البحثية مع أهداف الدراسة وتساؤلاتها الأساسية.
- يعمل على تلبية متطلبات المشرفين والمحكمين الذين يشددون على وضوح الإشكالية ودقتها.
- يسعى إلى اختيار إشكالية تسمح بتوظيف إطار نظري مناسب ومعتمد علميًا.
- يهدف إلى تجنب الإشكاليات الفضفاضة أو العامة التي يصعب ضبطها منهجيًا.
- يعكس تحديد الإشكالية بدقة نضج الباحث وقدرته على التفكير العلمي التحليلي.
وبعد توضيح نية الباحث ودوافعه في البحث عن الإشكالية، يبرز تساؤل جوهري يتعلق بالمعايير التي ينبغي الاستناد إليها عند اختيار إشكالية مناسبة، بما يضمن أصالتها وقابليتها للبحث والمعالجة العلمية.
معايير اختيار الإشكالية البحثية المناسبة
تتطلب الإشكالية البحثية اختيارًا واعيًا يقوم على معايير علمية تضبط مسار الدراسة منذ بدايتها، لأن الإشكالية غير المنضبطة تُنتج مشكلة بحث مضطربة ومنهجية غير متسقة. ويُقاس نجاح الاختيار بمدى قابلية الإشكالية للتأطير النظري والبحث الميداني ضمن حدود واقعية، فيما يلي:
1-القابلية للدراسة والقياس والتحقق
ينبغي أن تكون الإشكالية قابلة للتحويل إلى أسئلة بحثية يمكن اختبارها أو التحقق منها علميًا، بحيث لا تبقى في إطار التأمل النظري المجرد، بل تسمح ببناء تصميم منهجي واضح وأدوات جمع بيانات مناسبة.
2-الضبط بين الاتساع والضيق
تتطلب الإشكالية توازنًا بين الشمولية والحدود، لأن الاتساع المفرط يجعل الدراسة مشتتة، بينما يؤدي الضيق المفرط إلى تقليل قيمة الإضافة العلمية، ولذلك يجب صياغتها ضمن نطاق يمكن ضبطه بحثيًا.
3-الحداثة والأهمية العلمية
تُفضّل الإشكاليات التي تلامس موضوعات حديثة أو قضايا علمية ما زالت محل نقاش، لأن ذلك يعزز قيمة البحث وأصالته، ويزيد من فرص قبول الدراسة لدى المحكمين وملاءمتها للاتجاهات البحثية الراهنة.
4-الارتكاز على أدبيات سابقة كافية
لا تُختار الإشكالية بمعزل عن الدراسات السابقة، بل ينبغي أن تتوفر أدبيات كافية تسمح بالتأصيل النظري وبناء الإطار المفاهيمي، لأن غياب الأدبيات يضعف التبرير العلمي للإشكالية.
5-الملاءمة للواقع والسياق التطبيقي
تزداد قوة الإشكالية عندما ترتبط بسياق واقعي أو مؤسسي يمكن دراسته، لأن هذا الارتباط يسهّل جمع البيانات ويمنح الدراسة قيمة تطبيقية تتجاوز الطرح النظري العام.
6-التوافق مع الإمكانات الزمنية والمنهجية
يجب أن تتوافق الإشكالية مع الوقت المتاح وخطة الدراسة والمنهج الممكن تطبيقه، لأن الإشكالية التي تتطلب موارد أو زمنًا يفوق قدرة الباحث قد تؤدي إلى تعثر البحث أو ضعف نتائجه.
7-الانسجام مع أهداف البحث وتساؤلاته
يُعد اتساق الإشكالية مع أهداف البحث وتساؤلاته معيارًا حاسمًا، لأن هذا الانسجام يضمن وحدة البناء العلمي ويمنع التناقض بين ما يطرحه الباحث نظريًا وما ينفذه عمليًا في الدراسة.
8-الارتباط بتخصص الباحث وخبرته العلمية
يرتبط نجاح اختيار الإشكالية بمدى اتصالها بتخصص الباحث ومعرفته السابقة، لأن هذا الارتباط يضمن عمق المعالجة ودقة التحليل، ويمنح الدراسة أساسًا معرفيًا يمنع التناول السطحي أو المكرر.
وبعد تحديد هذه المعايير التي تضبط اختيار الإشكالية وتمنع الانحرافات المنهجية في صياغتها، يصبح من الضروري الانتقال إلى إجراءات عملية منظمة تساعد الباحث على اختيار إشكالية مناسبة خطوة بخطوة، بما يضمن قابليتها للبحث واتساقها مع متطلبات الدراسة.
خطوات اختيار الإشكالية البحثية خطوة بخطوة
تمثل الإشكالية البحثية نقطة الانطلاق التي تُبنى عليها بقية عناصر البحث من مشكلة وأهداف ومنهج، لذلك فإن اختيارها يحتاج إلى مسار عملي منظم يضمن الأصالة والاتساق وقابلية الدراسة. ويقوم هذا المسار على الانتقال التدريجي من العام إلى الخاص، كالاتي:
1-تحديد المجال العلمي وحدوده العامة
يبدأ الباحث بتحديد المجال العلمي الذي تنتمي إليه الدراسة، مع ضبط حدوده المفاهيمية ومجالاته الفرعية، لأن وضوح المجال يساعد على رصد القضايا الأساسية التي يدور حولها الجدل العلمي في هذا التخصص.
2-حصر القضايا الرئيسة داخل المجال
ينتقل الباحث إلى استعراض القضايا الكبرى المطروحة داخل المجال، عبر تتبع موضوعات البحث الشائعة والمفاهيم المحورية، مما يمكّنه من تحديد أين تتركز الإشكالات الفكرية التي تستحق معالجة علمية.
3-تجميع الدراسات السابقة ذات الصلة
يعمل الباحث على جمع الدراسات السابقة الأقرب للإشكالية المحتملة، مع مراعاة شمول المدارس النظرية المختلفة وتنوع البيئات البحثية، لأن نقص الدراسات أو انحيازها يضعف قدرة الباحث على رؤية الصورة الكاملة.
4-قراءة نقدية للدراسات لا قراءة تلخيصيه
لا يكتفي الباحث بتلخيص نتائج الدراسات، بل يقرأها قراءة نقدية تركز على ما أغفلته، وما تناقضت فيه، وما اقتصر على تفسير جزئي، لأن هذا المستوى من القراءة هو المدخل الحقيقي لاكتشاف الإشكالية.
5-رصد القصور والتناقضات البحثية
يقوم الباحث بتحديد جوانب القصور المنهجي أو النظري أو التطبيقي، ويُبرز مواطن التناقض بين نتائج الدراسات عند تناول الظاهرة نفسها، لأن التناقضات غالبًا ما تكشف عن إشكالية علمية غير محسومة.
6-تضييق نطاق الموضوع تدريجيًا
بعد تشخيص القضايا العامة، يضيق الباحث نطاق الموضوع إلى زاوية محددة قابلة للبحث، عبر تحديد السياق والزمن والفئة أو البيئة، لأن الإشكالية الواسعة تُربك المنهجية وتضعف قابلية الإنجاز.
7-صياغة تساؤل مركزي يعكس جوهر الإشكال
يحاول الباحث تحويل المعطيات النقدية إلى تساؤل مركزي يعبّر عن جوهر الإشكالية، بحيث يكون السؤال جامعًا وموجهًا ومفتوحًا للتفسير العلمي، لا مجرد سؤال وصفي مباشر.
8-اختبار قابلية الإشكالية للبحث المنهجي
يتحقق الباحث من أن الإشكالية يمكن دراستها منهجيًا عبر أدوات مناسبة، وأنها قابلة للتحويل إلى مشكلة بحث وأهداف واضحة، لأن الإشكالية غير القابلة للبحث تظل مجرد فكرة عامة بلا قيمة إجرائية.
9-التحقق من الأصالة وحداثة التناول
يفحص الباحث حداثة الإشكالية عبر مراجعة الدراسات الحديثة للتأكد من أنها لم تُعالج بصورة مباشرة مؤخرًا، لأن الأصالة لا تعني الجديد المطلق، بل تعني إضافة حقيقية أو زاوية معالجة مغايرة.
10-مواءمة الإشكالية مع إمكانات الباحث ومتطلبات البرنامج
يختتم الباحث الاختيار بمراجعة مدى ملاءمة الإشكالية للوقت والموارد المتاحة والمنهج الممكن تطبيقه، إضافة إلى توافقها مع متطلبات البرنامج الأكاديمي، لأن الإشكالية الجيدة هي التي يمكن إنجازها بكفاءة ضمن حدود واقعية.
وبعد استكمال خطوات اختيار الإشكالية بهذه الصورة المنهجية، تبرز الحاجة إلى تحويلها من فكرة مُحكمة إلى صياغة أكاديمية دقيقة تعكس عمقها النظري وتضبط حدودها ومبرراتها العلمية، وهو ما يقود إلى موضوع: كيفية صياغة الإشكالية البحثية بأسلوب أكاديمي.

كيفية صياغة الإشكالية البحثية بأسلوب أكاديمي
تُعد الإشكالية البحثية صياغة فكرية دقيقة تعكس جوهر الدراسة واتجاهها العلمي، ولذلك يتطلب بناؤها التزامًا صارمًا بقواعد الكتابة الأكاديمية والتحليل المنهجي، بحيث تعبّر عن القصور العلمي بوضوح دون مبالغة أو تعميم، كالتالي:
- تُصاغ الإشكالية بلغة علمية موضوعية خالية من الأحكام المسبقة أو العبارات الإنشائية.
- يُفضّل أن تأتي الإشكالية في صورة تساؤل مركزي يعكس جوهر الظاهرة أو العلاقة بين متغيراتها.
- يجب أن تستند صياغة الإشكالية إلى الأدبيات السابقة لا إلى الانطباعات الشخصية للباحث.
- تُحدد الإشكالية نطاق الدراسة بوضوح من حيث الزمان والمكان والفئة أو السياق محل البحث.
- ينبغي أن تُبرز الصياغة سبب اعتبار الموضوع إشكاليًا من الناحية العلمية لا الوصفية فقط.
- تُربط الإشكالية مباشرة بأهداف البحث وتساؤلاته لضمان الاتساق المنهجي.
- يجب أن تعكس الصياغة وجود فجوة بحثية حقيقية يمكن للدراسة الإسهام في سدها.
- يُراعى في الصياغة أن تكون الإشكالية قابلة للتحويل إلى مشكلة بحثية قابلة للقياس والدراسة.
وعلى الرغم من وضوح هذه الضوابط الأكاديمية في صياغة الإشكالية البحثية، فإن عددًا من الباحثين يقعون في أخطاء متكررة عند اختيارها أو صياغتها، مما يستدعي الوقوف عند هذه الأخطاء لتجنبها وضمان قوة البناء العلمي للدراسة.
الأخطاء الشائعة في اختيار وصياغة الإشكالية البحثية
تمثل الإشكالية البحثية حجر الأساس في البناء العلمي للدراسة، غير أن ضعف الوعي بطبيعتها المنهجية يؤدي إلى الوقوع في أخطاء تؤثر مباشرة في جودة البحث وقبوله الأكاديمي، أبرزها:
- الخلط بين الإشكالية والموضوع العام، بما يجعل الصياغة وصفية لا تحليلية.
- اختيار إشكالية واسعة أو فضفاضة يصعب ضبطها منهجيًا أو دراستها ميدانيًا.
- الادعاء بوجود إشكالية دون الاستناد إلى مراجعة نقدية للأدبيات السابقة.
- صياغة الإشكالية بلغة إنشائية أو تقريرية تفتقر إلى العمق العلمي والتحليل المنهجي.
- عدم ربط الإشكالية البحثية بسؤال بحث واضح أو بأهداف محددة للدراسة.
- تجاهل السياق الزمني أو المكاني، مما يضعف تحديد نطاق الإشكالية.
- تكرار إشكاليات عولجت حديثًا في دراسات سابقة دون إضافة علمية جديدة.
- إغفال الجانب النظري عند صياغة الإشكالية والاكتفاء بالبعد التطبيقي فقط.
- صياغة إشكالية غير قابلة للتحويل إلى مشكلة بحثية أو أدوات قياس مناسبة.
- عدم مراعاة متطلبات المشرفين أو معايير لجان التحكيم عند بناء الإشكالية.
وبعد الوقوف على هذه الأخطاء الشائعة التي تضعف صياغة الإشكالية، تبرز الحاجة إلى عرض نماذج تطبيقية توضّح كيف يمكن صياغة الإشكالية بصورة أكاديمية سليمة، تجمع بين الدقة النظرية والقابلية المنهجية للدراسة.
أمثلة تطبيقية على صياغة الإشكالية البحثية
تتجلى الإشكالية البحثية بصورة أوضح عند عرضها ضمن سياقات تطبيقية متنوعة، إذ تختلف طبيعتها وحدودها باختلاف التخصص والبيئة البحثية، كما يلي:
1- الدراسات الاجتماعية
تتمثل الإشكالية الاجتماعية في تضارب التفسيرات النظرية لظاهرة اجتماعية محددة، أو في عجز الأطر النظرية السائدة عن تفسير التحولات الاجتماعية المعاصرة تفسيرًا متكاملًا.
2- الدراسات التربوية
تظهر الإشكالية في المجال التربوي عند غياب توافق علمي حول فاعلية استراتيجية تعليمية معينة عبر بيئات تعليمية مختلفة، بما يثير تساؤلًا حول شروط نجاحها وسياقات تطبيقها.
3- الدراسات النفسية
تبرز الإشكالية النفسية عند عدم اتفاق نتائج الدراسات حول العلاقة بين متغيرات نفسية بعينها، أو عند محدودية النماذج التفسيرية المستخدمة لفهم سلوكيات فئات معينة.
4- الدراسات الصحية
تظهر الإشكالية الصحية في قصور النماذج التطبيقية أو البروتوكولات العلاجية المستخدمة، أو في عدم ملاءمتها لسياق صحي محلي تختلف فيه الخصائص الديموغرافية والبيئية.
5- الدراسات الإدارية
تتجسد الإشكالية البحثية الإدارية عند الاعتماد على نماذج تنظيمية أو إدارية تقليدية لا تعكس واقع المؤسسات الحديثة، أو لا تتواءم مع التحولات الرقمية والتنظيمية الراهنة.
وبعد عرض هذه الأمثلة التطبيقية التي توضّح كيف تُصاغ الإشكالية البحثية داخل تخصصات مختلفة، يصبح من الضروري الانتقال إلى زاوية التقييم الأكاديمي، لفهم المعايير التي يعتمدها المحكمون عند الحكم على جودة الإشكالية البحثية وملاءمتها للبحث العلمي.
كيف يقيم المحكمون الإشكالية البحثية؟
تُعد الإشكالية البحثية من أول العناصر التي يتوقف عندها المحكمون عند تقييم أي بحث أو مقترح علمي، لأنها تعكس مستوى النضج الفكري والمنهجي للباحث، ومدى وعيه بحقل تخصصه وحدوده المعرفية، تشمل:
- مدى وضوح الإشكالية وخلوها من الغموض أو الصياغات العامة غير المحددة.
- استناد الإشكالية إلى مراجعة علمية رصينة للأدبيات السابقة، لا إلى آراء شخصية أو انطباعات عامة.
- قدرة الإشكالية على تفسير سبب البحث وبيان الدافع العلمي الحقيقي وراء الدراسة.
- اتساق الإشكالية البحثية مع أهداف البحث وتساؤلاته دون تناقض أو انفصال منهجي.
- ملاءمة الإشكالية للإطار النظري المعتمد وقدرتها على توجيه البناء المفاهيمي للدراسة.
- قابلية الإشكالية للتحول إلى مشكلة بحثية قابلة للدراسة والقياس.
- حداثة الإشكالية وعدم تكرارها معالجةً مباشرة في دراسات حديثة دون إضافة علمية.
- ارتباط الإشكالية بسياق علمي أو تطبيقي واضح يعزز قيمة البحث وأهميته.
- استخدام الباحث لغة أكاديمية دقيقة تعكس التحليل لا الوصف أو الإنشاء.
- إسهام الإشكالية في إظهار الأصالة العلمية وتمييز البحث عن الدراسات التكرارية.
الخاتمة
تشكل الإشكالية البحثية الأساس الذي يقوم عليه البناء العلمي للبحث، فهي التي تمنحه اتجاهه، وتبرر وجوده، وتحدد قيمته المعرفية. وكلما أحسن الباحث اختيار إشكاليته وصياغتها صياغة أكاديمية دقيقة، ارتفعت جودة بحثه، وتعززت فرص قبوله، وأسهم بفاعلية في إثراء المعرفة العلمية داخل البيئة الأكاديمية السعودية.

دور منصة إحصائي في مساعدة الباحثين على بناء الإشكالية البحثية
تسهم منصة إحصائي في دعم الباحثين من خلال تحليل الدراسات السابقة، وتحديد الإشكالية بدقة، وصياغتها بأسلوب أكاديمي متوافق مع متطلبات الجامعات السعودية. كما تساعد المنصة في ربط الإشكالية بالمنهجية الإحصائية المناسبة، وضمان اتساقها مع أهداف البحث وتساؤلاته.
المراجع
Ellis, T. J., & Levy, Y. (2008). Framework of problem-based research: A guide for novice researchers on the development of a research-worthy problem. Informing Science, 11, 17.




