المدرسة الجشطالتية في علم النفس وروادها ال 6

ما هي المدرسة الجشطالتية في علم النفس ومن أبرز روادها؟

ما هي المدرسة الجشطالتية في علم النفس ومن أبرز روادها؟

المدرسة الجشطالتية في علم النفس تُعد من أبرز الاتجاهات الفكرية التي أحدثت نقلة نوعية في دراسة العقل والإدراك. ظهرت في ألمانيا أوائل القرن العشرين كرد فعل على المدرسة البنائية التي ركزت على تحليل الوعي إلى عناصر بسيطة، حيث رأت الجشطالتية أن العقل لا يمكن فهمه بمجرد دراسة الأجزاء، بل يجب النظر إليه ككل متكامل.

أكدت هذه المدرسة أن الإنسان يدرك الأشياء في صورة أنماط وبنى منتظمة، وليس كعناصر منفصلة، وهو ما جعلها تقدم تفسيرًا أكثر شمولًا للعمليات العقلية والإدراكية. وفي هذا المقال سنتعرض لنشأة المدرسة الجشطالتية والظروف التي ساعدت على ظهورها، ونوضح المبادئ التي قامت عليها، ونبين إسهامات روادها وأثرها في تطوير علم النفس. كما سنتناول التطبيقات العملية التي قدمتها في ميادين التعليم والعلاج النفسي، ونرصد الانتقادات التي وُجهت إليها، لنبرز في النهاية قيمتها العلمية لطلاب الدراسات العليا ودورها في صياغة الفكر النفسي المعاصر.

ما مفهوم المدرسة الجشطالتية في علم النفس؟

المقصود بالمدرسة الجشطالتية أنها اتجاه نفسي يركز على الكل بدل الأجزاء، حيث ترى أن العقل البشري يدرك الظواهر في صور منتظمة ومتناسقة لا يمكن اختزالها. فقد رفضت هذا الاتجاه محاولات المدرسة البنائية في تحليل الوعي إلى عناصر منفصلة، مؤكدة أن التجربة الإنسانية أعقد من ذلك. واعتبرت أن المعنى لا يظهر من دراسة الأجزاء كلٌ على حدة، بل من خلال تفاعلها وتكاملها في بنية كلية. وهكذا أرست الجشطالتية مبدأ أساسيًا مفاده أن “الكل أكبر من مجموع أجزائه”، ليصبح قاعدة لفهم الإدراك والسلوك البشري.

 

كيف نشأت المدرسة الجشطالتية وما الظروف التي ساعدت على ظهورها؟

نشأت المدرسة الجشطالتية في ألمانيا أوائل القرن العشرين كرد فعل على قصور المدرسة البنائية في تفسير الوعي والإدراك. فقد رفض روادها تحليل الخبرة إلى عناصر منفصلة، مؤكدين أن العقل يدرك الظواهر كوحدات كلية متكاملة. وساهمت التطورات في الفيزياء والفلسفة المثالية الألمانية في إلهام هذا الاتجاه، إلى جانب التجارب النفسية في مختبرات برلين. كما لعبت الأوضاع الاجتماعية والثقافية دورًا في تعزيز البحث عن رؤية شمولية تتجاوز حدود التحليل الجزئي إلى منظور أكثر تكاملًا.

شريط1

ما المبادئ الأساسية التي اعتمدت عليها المدرسة الجشطالتية؟

اعتمدت المدرسة الجشطالتية على مجموعة من المبادئ الجوهرية التي شكّلت أساس رؤيتها للإدراك والوعي، ويمكن تلخيصها فيما يلي:

  1. الكل أكبر من مجموع أجزائه، حيث يدرك العقل الظواهر كوحدات كلية متكاملة وليس كعناصر منفصلة.
  2. مبدأ الشكل والأرضية ويعني أن الإنسان يميز تلقائيًا بين الشكل البارز في المشهد والخلفية المحيطة به.
  3. مبدأ التقارب حيث تميل العين إلى تجميع العناصر القريبة مكانيًا وكأنها تنتمي إلى وحدة واحدة متماسكة.
  4. مبدأ التشابه الذي يوضح أن العناصر المتشابهة في اللون أو الشكل أو الحجم تُدرك باعتبارها مترابطة ومتحدة.
  5. مبدأ الاستمرارية ويشير إلى أن العقل يفضل إدراك الأنماط في صورة خطوط أو منحنيات متصلة بدلًا من أجزاء منفصلة.
  6. مبدأ الإغلاق حيث يميل الإدراك إلى إكمال الصور الناقصة وإدراكها في صورة كلية منتظمة ومتكاملة.
  7. مبدأ البساطة (البرغنانز) ويعني أن العقل يسعى دائمًا لاختيار أبسط وأوضح تنظيم ممكن للمنبهات الحسية.
  8. مبدأ التماثل الذي يؤكد أن العناصر المتماثلة تُنظر إليها باعتبارها أجزاء من بنية واحدة متكاملة.
  9. مبدأ المصير المشترك ويشير إلى أن العناصر التي تتحرك في اتجاه واحد تُدرك كوحدة واحدة مترابطة.
  10. مبدأ التوازن والتنظيم حيث يسعى العقل إلى إدراك الخبرة في صورة متوازنة ومنظمة بما يحقق وضوح المعنى.

 

من هم أبرز رواد المدرسة الجشطالتية وما إسهاماتهم؟

نشأت المدرسة الجشطالتية بفضل جهود عدد من العلماء الألمان الذين أسسوا دعائمها، وكان لكل واحد منهم إسهام مميز في تطوير مبادئها ونشر أفكارها في العالم.

أولا: ماكس فيرتهايمر (Max Wertheimer)

يُعتبر المؤسس الفعلي للمدرسة الجشطالتية، فقد ركز على دراسة الإدراك الحسي وخاصة إدراك الحركة. اشتهر بتجربته حول ظاهرة “فاي” التي أوضحت أن العقل يدرك الحركة، حتى لو لم تكن موجودة فعليًا. ومن خلال أبحاثه صاغ الفكرة الجوهرية للجشطالتية وهي أن الوعي لا يُختزل إلى عناصر بسيطة، بل يُدرك كوحدة كلية متكاملة.

أبرز إسهاماته:

  1. اكتشاف ظاهرة “فاي” التي شكلت الأساس لمفهوم الإدراك الكلي للحركة.
  2. نقد المدرسة البنائية التي اعتمدت على تحليل الوعي إلى عناصر منفصلة.
  3. صياغة المبدأ المركزي القائل إن “الكل أكبر من مجموع أجزائه”.
  4. إجراء تجارب تجريبية على الإدراك البصري والحركة.
  5. تأسيس البنية الأولى لمدرسة الجشطالتية في ألمانيا.
  6. إبراز دور التنظيم العقلي في إدراك الظواهر.
  7. إرساء الأسس النظرية الأولى لقوانين الجشطالت.

ثانيا: كورت كوفكا (Kurt Koffka)

كان من أوائل المنظرين للجشطالتية، وقد ركز على تطبيق مبادئها في ميادين النمو والتعلم. ساعدت كتاباته على نشر المدرسة الجشطالتية في الولايات المتحدة، خاصة من خلال عمله “مبادئ علم النفس الجشطالت”. جمع بين التحليل النظري والتطبيقات العملية مما جعل أفكاره أكثر انتشارًا وتأثيرًا.

أبرز إسهاماته:

  1. نشر مبادئ الجشطالتية في أمريكا عبر كتبه وأبحاثه.
  2. تطبيق قوانين الجشطالتية على مجال علم نفس النمو.
  3. تطوير أبحاث عن الإدراك الحسي والتعلم في السياقات التربوية.
  4. صياغة كتاب “Principles of Gestalt Psychology” كمرجع كلاسيكي.
  5. التأكيد على أن التكيف الإنساني يتطلب النظر إلى الكل لا الأجزاء.
  6. إدخال البعد البيئي في تفسير الخبرة النفسية.
  7. تعزيز مكانة المدرسة الجشطالتية عالميًا..

ثالثا: وولفغانغ كوهلر (Wolfgang Köhler)

كان أحد أعمدة المدرسة الجشطالتية، واشتهر بتجاربه على الشمبانزي في جزيرة تينيريفي. أثبت من خلالها أن الكائنات قادرة على حل المشكلات من خلال الإدراك الكلي للعلاقات، وليس فقط عبر المحاولة والخطأ. عززت أعماله مفهوم “الاستبصار” كمكون أساسي في عملية التعلم.

أبرز إسهاماته:

  1. إجراء تجارب شهيرة على الشمبانزي لدراسة التعلم بالاستبصار.
  2. إثبات أن الكائنات تحل المشكلات عبر إدراك العلاقات الكلية.
  3. نقد السلوكية التي حصرت التعلم في المحاولة والخطأ.
  4. تطوير مفهوم “التعلم بالاستبصار” كآلية أساسية للفهم.
  5. إبراز دور الإدراك الكلي في عمليات التفكير والتعلم.
  6. توسيع نطاق أبحاث الجشطالتية ليشمل علم نفس الحيوان.
  7. المساهمة في صياغة قوانين الإدراك التي قامت عليها المدرسة.

رابعا: كورت ليفين (Kurt Lewin)

رغم أنه لم يكن من المؤسسين المباشرين، إلا أن كورت ليفين يُعد من أبرز الرواد الذين تأثروا بالجشطالتية وطوروها. أسس نظرية “المجال” التي طبقت مبادئ الجشطالتية في علم النفس الاجتماعي، وركز على أن السلوك نتاج للتفاعل بين الفرد والبيئة.

أبرز إسهاماته:

  1. تطوير نظرية المجال التي ربطت بين الفرد وبيئته.
  2. إدخال مبادئ الجشطالتية في علم النفس الاجتماعي.
  3. تفسير السلوك بوصفه نتاجًا للتفاعل الديناميكي بين الشخص والمحيط.
  4. تعزيز فكرة أن الإدراك يتأثر بالبنية الكلية للبيئة.
  5. تأسيس أبحاث حول ديناميكيات الجماعة متأثرة بمبادئ الجشطالت.
  6. إدخال مفاهيم “الحقل” و”القوى” في دراسة السلوك.
  7. المساهمة في مد الجشطالتية إلى مجالات تطبيقية أوسع.

خامسا: كارل دونكر (Karl Duncker)

يُعد كارل دونكر من الباحثين الذين عمّقوا دراسة التفكير وحل المشكلات في إطار المدرسة الجشطالتية. ركز في أبحاثه على كيفية إدراك العلاقات بين العناصر لتجاوز المواقف الصعبة، وابتكر تجارب شهيرة مثل مشكلة الشمعة التي أوضحت أثر “التثبيت الوظيفي” في عرقلة الإبداع.

أبرز إسهاماته:

  1. تطوير مفهوم “التثبيت الوظيفي” الذي يعيق حل المشكلات بطرق مبتكرة.
  2. ابتكار تجارب عملية لدراسة التفكير مثل تجربة الشمعة.
  3. التأكيد على أن حل المشكلات يعتمد على إعادة تنظيم الموقف كليًا.
  4. ربط مفهوم الاستبصار بالقدرة على إدراك العلاقات بين العناصر.
  5. إدخال منهج الجشطالتية في دراسة التفكير الإبداعي.
  6. إرساء أساس لدراسة المرونة المعرفية في حل المشكلات.
  7. دعم الفكرة الجوهرية أن التفكير عملية كلية وليست آلية.

سادسا: كورت غولدشتاين (Kurt Goldstein)

كان طبيبًا أعصابياً ونفسيًا تأثر بالمدرسة الجشطالتية وساهم في ربطها بالبحوث العصبية. ركز على دراسة إصابات الدماغ وتأثيرها في الإدراك والسلوك، واعتبر أن الكائن الحي يتصرف كوحدة متكاملة لا يمكن فصلها إلى أجزاء مستقلة.

أبرز إسهاماته:

  1. إدخال مبادئ الجشطالتية إلى مجال علم الأعصاب السريري.
  2. دراسة إصابات الدماغ لفهم انعكاساتها على الإدراك والسلوك.
  3. التأكيد على أن الكائن الحي يعمل كوحدة كلية متكاملة.
  4. توضيح أن الأعراض العصبية لا تُفهم إلا في سياق البنية الكلية للدماغ.
  5. تطوير بحوث حول المرونة العصبية وتأثيرها على التعافي.
  6. دعم التكامل بين علم النفس الجشطالت وعلم الأعصاب.
  7. المساهمة في توسيع تطبيقات الجشطالتية خارج المختبر إلى الممارسة الطبية.

 

كيف بلورت المدرسة الجشطالتية منهجها في البحث النفسي؟

اعتمدت المدرسة الجشطالتية على منهجية بحثية متميزة، جمعت بين التجريب الدقيق والتحليل الكلي، وأسست أسلوبًا خاصًا في دراسة العقل والإدراك، ويمكن توضيح معالمها فيما يلي:

1- التركيز على التجارب البصرية

أجرى الباحثون الجشطالت تجارب عديدة حول الإدراك البصري للكشف عن القوانين التي تحكم تنظيم الصور والأشكال في العقل. وقد كانت هذه التجارب حجر الزاوية في صياغة مبادئهم.

2- استخدام المثيرات البسيطة

فضلوا عرض أنماط هندسية أو منبهات ضوئية بسيطة على المشاركين، من أجل توضيح كيفية إدراك العقل للكل بدلًا من الأجزاء.

3- دراسة الحركة والإيهام البصري

اشتهر فيرتهايمر بتجاربه حول الإدراك الحركي، حيث أثبت أن الإنسان يدرك الحركة حتى في غيابها الفيزيائي من خلال ظاهرة “فاي”.

4- الاعتماد على الملاحظة المضبوطة

ركزوا على ضبط الظروف التجريبية بدقة، ما مكنهم من إعادة التجارب واستخلاص قوانين عامة للإدراك.

5- البحث في التفكير وحل المشكلات

أثبت كوهلر ودونكر أن التفكير ليس مجرد محاولات متكررة، بل عملية إدراكية تقوم على إعادة تنظيم الموقف لإيجاد حلول مبتكرة.

6- الانفتاح على علم الأعصاب

استفاد غولدشتاين من مبادئ الجشطالتية في دراسة إصابات الدماغ، مظهرًا أن البنية الكلية للدماغ أساس لفهم الأعراض.

7- الجمع بين الكيف والكم

استخدموا الملاحظة الكيفية لوصف أنماط الإدراك، لكنهم لم يهملوا القياس الكمي مثل تسجيل أزمنة الاستجابة.

8- الاهتمام بالاستبصار

ركزوا على فكرة أن الحلول تنبثق فجأة من خلال الإدراك الكلي للعلاقات، وهو ما جعل الاستبصار محورًا في منهجهم البحثي.

9- تطبيق القوانين على مجالات متعددة

لم يقتصروا على الإدراك البصري، بل مدوا مبادئهم إلى اللغة والتعلم والسلوك الاجتماعي، مما أعطى منهجهم مرونة واسعة.

10- رفض التجزئة والتحليل الميكانيكي

أصروا على أن دراسة العقل تتطلب النظر إلى العمليات كوحدات كلية، رافضين التحليل الجزئي الذي تبنته المدرسة البنائية.

شريط2

ما التطبيقات العملية للنظرية الجشطالتية في التعليم والعلاج؟

قدمت المدرسة الجشطالتية إسهامات كبيرة في ميادين التعليم والعلاج النفسي، إذ تحولت مبادئها إلى أدوات عملية واضحة يمكن تلخيصها فيما يلي:

  1. اعتماد استراتيجيات التعلم بالاستبصار، حيث يُشجع الطالب على إعادة تنظيم الموقف للوصول إلى الحلول بدلًا من التكرار الآلي.
  2. تصميم مناهج تعليمية تراعي إدراك الكل، مما يجعل المعلومات مترابطة ومتكاملة بدلًا من عرضها كعناصر منفصلة.
  3. توظيف مبادئ الشكل والأرضية في المواد التعليمية لمساعدة الطلاب على التمييز بين العناصر الأساسية والمعلومات الثانوية.
  4. الاستفادة من مبدأ الإغلاق في الأنشطة الصفية التي تحفز الطلاب على إكمال الصور والأفكار الناقصة.
  5. تطوير برامج تعليمية تراعي التشابه والتقارب في تنظيم المحتوى لتسهيل الفهم والاستيعاب.
  6. تعزيز التعلم النشط من خلال أنشطة عملية تشجع على الربط بين المعرفة الجديدة والخبرات السابقة.
  7. إدخال مبادئ الجشطالتية في العلاج النفسي، خاصة في العلاج المتمركز حول الاستبصار وإعادة إدراك المواقف.
  8. استخدام تقنيات إعادة التنظيم المعرفي لمساعدة المرضى على تغيير أنماط تفكيرهم السلبية.
  9. اعتماد نظرية المجال في تفسير السلوك العلاجي، بوصفه نتاجًا للتفاعل بين الفرد وبيئته.
  10. تطوير برامج علاجية وتربوية تستند إلى فكرة أن الكل أكثر وضوحًا وتأثيرًا من مجموع الأجزاء.

 

ما أبرز الانتقادات التي وُجهت إلى المدرسة الجشطالتية؟

رغم إسهامات المدرسة الجشطالتية العميقة، إلا أنها لم تسلم من النقد العلمي والمنهجي، وقد وُجهت إليها عدة ملاحظات أساسية يمكن توضيحها فيما يلي:

  1. وُجه إليها نقد بسبب اعتمادها الكبير على الملاحظة الكيفية، مما جعل نتائجها أحيانًا صعبة القياس الكمي والتحقق التجريبي.
  2. اعتُبرت قوانينها الخاصة بالإدراك وصفية أكثر منها تفسيرية، إذ حددت كيف يحدث الإدراك دون أن توضح الآليات العصبية الكامنة وراءه.
  3. ركزت على الإدراك البصري بشكل أساسي، مما جعل تطبيقاتها في مجالات أخرى مثل العاطفة أو الشخصية محدودة نسبيًا.
  4. واجهت صعوبة في تفسير العمليات العقلية العليا كالتفكير المجرد وحل المشكلات المعقدة بشكل كافٍ.
  5. اتُهمت بأنها لم تقدم منهجًا إجرائيًا واضحًا يمكن للباحثين اتباعه بسهولة في بحوثهم المختلفة.
  6. تعرضت لانتقادات من السلوكيين الذين رأوا أن الاعتماد على الاستبصار يفتقر إلى الصرامة التجريبية.
  7. واجهت صعوبة في الدمج بين مفاهيمها والنظريات الناشئة في علم الأعصاب والفيزيولوجيا.
  8. عانت من محدودية في التعميم، حيث جاءت معظم نتائجها من تجارب محدودة داخل المختبرات الألمانية.
  9. تراجعت مكانتها مع صعود المدرسة السلوكية في أمريكا التي قدمت أساليب أكثر عملية وقياسًا.
  10. اعتُبرت في بعض الأحيان حركة فكرية انتقالية أكثر منها مدرسة قائمة بذاتها، رغم قيمتها التاريخية والعلمية.

 

كيف أثرت المدرسة الجشطالتية في تطور المدارس النفسية الأخرى؟

أثرت المدرسة الجشطالتية بشكل كبير في تطوير المدارس النفسية الاخرى سواء السلوكية أو الوظيفية أو غيرها من المدارس، ويمكن توضيح ذلك الأثر من خلال الآتي:

1- تأثيرها على السلوكية

رغم الخلاف الجوهري بين المدرستين، أجبرت الجشطالتية السلوكيين على الاعتراف بأن السلوك لا يمكن فهمه بمعزل عن العمليات الإدراكية الكلية. وقد ساعد ذلك على ظهور اتجاهات مثل السلوكية المعرفية التي مزجت بين السلوك والعقل.

2- دعمها للوظيفية

قدمت الجشطالتية تفسيرًا أكثر وضوحًا للعلاقة بين الإدراك والتكيف مع البيئة، مما عزز من عمق المدرسة الوظيفية. وساعد ذلك في توضيح كيف تسهم البنى العقلية في تمكين الإنسان من التكيف العملي مع محيطه.

3- إلهامها للتحليل النفسي

أبرزت أهمية تنظيم الخبرة الكلية في فهم السلوك، وهو ما ألهم التحليل النفسي لإعادة التفكير في العلاقة بين العمليات الواعية واللاواعية. وقد انعكس ذلك على تطوير مفاهيم جديدة داخل هذا الاتجاه.

4- إسهامها في الدراسات اللغوية

وفرت الجشطالتية أرضية لفهم اللغة كوحدة متكاملة، بدلًا من تحليلها إلى عناصر منفصلة. وقد ساعد هذا التصور على تأسيس علم النفس اللغوي الحديث الذي يدرس اللغة في سياقها المعرفي الكلي.

5- أثرها في المدرسة المعرفية

رسخت فكرة أن العمليات العقلية منظمة وفق قوانين كلية، وهو ما شكّل أساسًا للنظريات المعرفية لاحقًا. وقد تبنت المدرسة المعرفية هذا التصور لتفسير الانتباه والتفكير والذاكرة.

6-   انعكاسها في علم النفس الاجتماعي

كان لتأثيرها حضور قوي في أعمال كورت ليفين الذي وظف مبادئها لفهم ديناميكيات الجماعة. وقد مهد ذلك الطريق أمام دراسات السلوك التفاعلي والتأثيرات المتبادلة بين الأفراد.

7- إسهامها في علم النفس العصبي

عبر أبحاث كورت غولدشتاين، ساعدت الجشطالتية على ربط العمليات الإدراكية ببنية الدماغ. وأثبتت أن إصابات الدماغ لا تُفهم إلا في إطار كلي، مما عزز التكامل بين علم النفس وعلم الأعصاب.

8- تمهيدها للعلوم المعرفية

أسهمت في نشوء العلوم المعرفية متعددة التخصصات، التي جمعت بين علم النفس والفلسفة واللسانيات والذكاء الاصطناعي. وقد جعلها ذلك محطة تأسيسية لفهم العقل بمنظور شامل ومعقد.

 

ما القيمة العلمية التي تمثلها المدرسة الجشطالتية لطلاب الدراسات العليا؟

تمثل المدرسة الجشطالتية مصدرًا علميًا ثريًا لطلاب الدراسات العليا، إذ تمنحهم أدوات نظرية ومنهجية تساعدهم على تعميق فهمهم للإدراك والسلوك، ويمكن تلخيص قيمتها فيما يلي:

  1. تزود الطالب بأسس قوية لفهم قوانين الإدراك الكلي وكيفية تنظيم العقل للمثيرات الحسية في صور متكاملة.
  2. تمنحه منظورًا نقديًا يسمح له بمقارنة المدارس النفسية المختلفة واستخلاص أوجه القوة والقصور في كل منها.
  3. توسع مداركه البحثية من خلال تقديم منهج تجريبي يعتمد على الملاحظة الدقيقة والتحليل الكلي للخبرة.
  4. تعزز وعيه بقدرة الإنسان على حل المشكلات بالاستبصار، مما يساعد في صياغة فرضيات بحثية مبتكرة.
  5. تربطه بمجالات متعددة مثل علم الأعصاب واللغويات والفلسفة، وهو ما يفتح أمامه آفاق بحثية بينية.
  6. تقدم له إطارًا لتطبيق مبادئها في التعليم والتعلم النشط، وهو ما يفيد في إعداد رسائل تطبيقية.
  7. تساعده على تطوير أدوات لبحث التفاعلات الاجتماعية بالاستناد إلى نظرية المجال التي أسسها كورت ليفين.
  8. تمنحه فرصة للتدريب على التفكير الكلي بعيدًا عن التجزئة، مما يعزز مهاراته الأكاديمية والنقدية.
  9. تمكنه من إدراك العلاقة بين النظرية والتطبيق، خاصة في المجالات العلاجية والتربوية.
  10. تضع أمامه نموذجًا تاريخيًا لفهم تطور الفكر النفسي، مما يدعمه في بناء أطروحاته ورسائله على أسس رصينة.

شريط3

الخاتمة

تُمثل المدرسة الجشطالتية محطة محورية في تاريخ علم النفس، إذ أعادت صياغة فهم الإدراك والسلوك من منظور كلي متكامل بدلًا من التحليل الجزئي. فقد أسهمت في تطوير مناهج البحث، وقدمت قوانين راسخة في تفسير تنظيم العقل للخبرة الإنسانية. ورغم ما وُجه إليها من انتقادات، فإن أثرها ظل حاضرًا في المدارس اللاحقة وفي ميادين متعددة كالتعليم والعلاج النفسي وعلم الأعصاب. وبذلك تبقى الجشطالتية إرثًا علميًا غنيًا ومرجعًا لا غنى عنه لطلاب الدراسات العليا لفهم تطور الفكر النفسي ومناهجه.

Scroll to Top